تعتبر السياحة العلاجية أحد الروافد الاقتصادية المهمة في العالم الثالث، وتجلب ملايين المسافرين سنوياً محملين بالعملات النقدية من جميع أنحاء العالم، وتمثل تايلند وسنغافورة والهند 60%‏ من مجمل السياحة العلاجية في العالم، وذلك لعدة أسباب، منها سهولة الحصول على التأشيرات، ورخص الأسعار، وتوفر الخبرات، وجودة المستشفيات، حيث أشارت التقارير القريبة المنشورة في نهاية عام 2014 إلى حصول 13 مستشفى تايلنديا على شهادة الاعتماد الأميركية لجودة المستشفيات، وتشير الأرقام الصادرة من وزارة الصحة التايلندية إلى وفود أكثر من 2.5 مليون سائح لأغراض طبية في عام 2013.

وأشارت إحدى الدراسات الحديثة المنشورة في مجلة أكسفورد الاقتصادية إلى أن صناعة السياحة الطبية تجاوزت 430 مليار دولار، وأن 3-4%‏ من سكان العالم يسافرون من أجل الخدمات الطبية، وبنسبة نمو 25% سنوياً، وتشير الأرقام إلى سفر أكثر من 1.3 مليون أميركي في عام 2016 إلى المكسيك بغرض تلقي العلاج (غير المغطى بشركات التأمين)، كما شغلت خدمات الأسنان حيزاً كبيراً تعدى 50%‏ من تلك الخدمات، ومن ثم التجميل بـ 25%‏.

شرق أوسطياً، تتميز المملكة العربية السعودية بريادتها الطبية، ولكن تغيب فكرة استثمار السياحة الطبية بشكل كبير، إذ لا توجد برامج مشتركة تربط بين السياحة والطب واستغلال التقدم الطبي السعودي. وسأذكر أمثلة بسيطة وناجحة عن السياحة الطبية في الشرق الأوسط، وهي زراعة الشعر في تركيا، التي أدخلت مليارات الدولارات للدولة التركية عن طريق إشغال العيادات الخاصة والفنادق والطيران، ناهيك عمّا يصرفه السائح على الأمور الأخرى، ومن الأمثلة الناجحة عمليات تخفيض السمنة في الأردن بعض النظر عن نتائجها الطبية المشكوك فيها، ولكنها كانت عاملاً كبيرا في تخفيض قيمة الأسعار المحلية.

 يجب ألا ننسى أن السياحة بشكل عام والسياحة العلاجية بشكل خاص تعتبر رافدا اقتصاديا مهما، وهذا يحقق لرؤية المملكة 2030 جانبا من طموحاتها، ويسهم في دخل اقتصادي مهم، لا سيما مع وجود عدد كبير من الشباب المبتعثين، والذين يجيدون أكثر من لغة تسهل التعامل مع السياح، وتوفر فرص عمل ودخلا مهما لهم ولمجتمعهم، خاصة مع ما تنعم به المملكة من استقرار أمني وسياسي، وتوفر بنية تحتية وتنوع جغرافي وأماكن مقدسة وآثار.

بقي البحث عن إيجاد آلية سهلة وميسرة وقوانين مشجعة للاستثمار السياحي الطبي ومنح التأشيرات السياحية العلاجية، وتوفير برامج جذابة والاستفادة من التجارب العالمية في جذب السياح. وأرى أن تعمل هيئة السياحة مع القطاع الطبي الخاص على هذا الجانب، حتى تكون المملكة مركزاً مهما للسياحة الطبية شرق أوسطيا على الأقل كمرحلة أولى، وهي مهيأة لذلك حتما.