(1)

أجزم بأن «إيفان شبيجل» الشاب الأميركي الثلاثيني الذي جاء بتقنية «سناب شات» للعالم، يكون نادما غاضبا وهو يرى دائما ذلك الابتذال في استخدام اكتشافه المدهش!.

فأحدهم يأكل طعامه باردا، بعد أن ضاعت لذته الحقيقية في تصويره من كل الزوايا، كأن الأكل صار بطولة تستحق أن توثق!، أو كأن الأكل في مطعم إيطالي يجعله يسمو دفعة واحدة، حتى يصل إلى أعلى بقعة في «كولوسيوم» روما العريق!.

أما «خوينا» الآخر، فهو لا يفتأ في كل مرة يرسل إلى العالم «مشاويره» الخالدة إلى الـ«بقالة» المجاورة!.

ولكن صاحبنا «السنابي» جدا يتجه إلى منحى بعيد، لم يفكر أن يبلغه أحد، فهو يرسل حسابه «السنابي» مع صديقه المسافر إلى برشلونة، حتى يكون في لحظة ما، داخل ملعب «الكامب نو» الشهير، وهو في الحقيقة يقبع متفرجا في ملعب الحارة العتيق!.

 (2)

بجد.. هوس عجيب بعالم «سناب شات» يفصح عن كثير من السلبيات، فهو يؤكد من جهة الفراغَ الفكري الذي يعيشه معظم مستخدمي «سناب»، من فئة الشباب، والذي جعلهم يحاولون باستماتة إثبات عكس ذلك الفراغ الفكري، خلال تسجيل أكبر عدد ممكن من المشاهد والمقاطع والصور والتعليقات، المتعلقة جميعها بأحداث يومية غاية في «البساطة»، لتكون الغاية من كل ذلك إثبات الوجود «أنا موجود، وأمارس حياتي بسعادة». بمعنى أن ذهنية «السنابي» أصبحت مرتبطة بكينونة ووجود، يمكن أن تغيب تماما، بمجرد التوقف عن تلك «السنبنة»!.

ومن جهة أخرى، فإن هذه التقنية تمنح الفرص المتوالية للمستخدمين، لإرسال رسائل للمجتمع القريب أو البعيد، ذات مقاصد متنوعة من الرفض والشكوى، أو الإعجاب والدهشة، أو الإيهام بعدة مشاعر كالحب أو السعادة، أو تزييف الواقع البائس بإظهار تجليات عدة من الترف والثراء أو من الثقافة والحضارة!.

ولا شك أن مستخدمي «سناب» وجدوا فيه وسيلة سريعة وممكنة ومعبرة لإرسال تلك الرسائل الذاتية، والتي تتجه مباشرة للانضمام إلى نسق حواري اجتماعي، ينسجم -أيضا- مع طبيعة الإنسان باعتباره كائنا اجتماعيا «ولو خلال عالم افتراضي، سهل التحقق»!.

 (3)

«صحيح»، إنا نعيش زمن هيمنة ثقافة الصورة بنوعيها الساكن والمتحرك، ولكن ما نستهلكه من هذه الثقافة، لا ينتج إلا صورا بسيطة. متكررة ساذجة، حتى إني أزعم لو أن باحثا أراد استقراء المشهد، فلن يجد سوى شذرات «من هنا وهناك» لا تفصح عن أي دلالة صريحة أو مغيبة معا!.

 (4)

الحقيقة، أن المشهد «السنابي» لا يعدو إلا أن يكون عنصرا متشابها مع بقية قائمة «وسائل التواصل المحلي» في الغايات والممارسات والمخرجات، لأن الذهنية التي تعمل على تلك القائمة، واحدة أبدا!.

 (5)

بالتأكيد، فالمشكلة كلها مشكلة «ثقافة»!

وإذ أريد «التحديد»، فالأقل هو مشكلة «الوعي الثقافي»، باعتبار أن الثقافة ارتبطت في ذهن كثيرين بالوفرة «المعلوماتية» فقط!، وهذا ما لم أقصده «بالطبع»!.

 (6)

الإيهام بالحياة والسعادة عبر عوالم افتراضية، لا يمكن أن يطابق الحياة الحقيقية أو السعادة الخالصة... في «الداخل» يستقر اللؤلؤ والمحار، فيما يترامى الزبد ببساطة على الشواطئ!.