قبل ما يقارب خمسة عشر عاما حينما كنت على مقاعد الجامعة؛ كنت أشعر بالضيق والحرج من كثير من الموضوعات التي تتناولها مادة الثقافة الإسلامية. كانت في مجملها خلال السنوات الدراسية برفقة مقرر آخر يتحدث عن «الحضارة الإسلامية»، يدوران في فلك المرأة والوحدة الإسلامية ونصرة الأمة. فحين الحديث عن المرأة تكون المادة مسخرة للآراء المتطرفة حول شؤون المرأة الاجتماعية والشخصية وما يتعلق بالشكليات الظاهرة من شأنها، كتحريم العمل المختلط وأنواع من اللباس، وتسخير كينونتها من أجل الزوج والأبناء بشكل مطلق. وعندما تكون المحاضرات حول الوحدة الإسلامية ومفهوم الأمة؛ لا يخلو الأمر من إثارة الحماس للأمجاد التليدة ولمفهوم نصرة المسلمين، وإلغاء مفهوم الوطن مقابل مفهوم الأمة الإسلامية، فضلا عن تلك الفصول التي تعد كل مختلف في الدين والمذهب والتفكير عدوا ومجالا محتملا لساحة حرب. لا شك أن أي صاحب فطرة سليمة سيأنف من الاتفاق مع كثير مما كان يرد في تلك الصفحات، أو ما كان يلقيه ويسهب فيه من يقدم ذلك المقرر، ووقتها أيضا لم نكن نعلم عن مكائد الأحزاب السياسية التي تتوارى خلف الإسلام، ولا المناهج الخفية التي تزرع بذور التطرف والإقصاء وكراهية المختلف ومناصبته العداء ولو كان من المقربين.

قبل عدة أيام حسب وسائل إعلامية انتشر خبر عن توجيه عاجل من وزير التعليم الدكتور أحمد العيسى إلى مديري الجامعات لمراجعة محتوى مادة الثقافة الإسلامية، وتطويرها بما يتفق مع الوسطية والاعتدال وتعزيز الهوية الوطنية. هذا التعميم وإن كان متأخرا كثيرا إلا أنه فاتحة أمل على تحرك الوزارة في النظر بجدية لمحتويات المناهج الدراسية و«تنظيفها» من المناهج الخفية المخترقة للتعليم. هذا التحرك لتنقية المناهج الجامعية مما قد يؤدي للانحرافات الفكرية والإساءة للأوطان من خلال تبني أفكار الأحزاب السياسية، وعلى رأسها الإخوان المسلمون، ينبغي ألا يقتصر على المقررات الجامعة المختلفة، بل يجب أن يمتد ويبدأ بمناهج التعليم العام.

في منهج الحديث والثقافة الإسلامية للمستوى الثاني للنظام الفصلي في التعليم الثانوي العام قرأت مصادفة قبل عدة أيام بضع صفحات من محتوى هذا المقرر الموجه لطالبات المرحلة الثانوية، تتحدث عن العقل كمصدر من مصادر المعرفة، وفيه تصريح بأن «لا كفاية في العقل» لأنه قاصر عن إدراك جوانب الحياة ومجالاتها.. إلى آخر ما احتوته تلك الصفحات. وهنا نلحظ أن التقليل من قيمة العقل الإنساني ملفت جدا في مقابل الإيعاز للاعتماد على آراء وأقوال رجال الدين . تلقين هذه الفكرة لنشء في سن حرجة تتأثر بالمعنى والكلمة، وزرع السخرية حول قدرة عقل الإنسان، مقابل التسليم لمن سيفكر عنهم ويقرر عنهم، فيه ما فيه من توجهات وضعت عمدا أو دون قصد، ولا تنفع المتلقي المراهق الذي قد يعطل القدرات التي منحها الله بحجة عدم كفاية العقل وقصوره. لا تتوقف مشكلة المناهج التي لا تخلو من المناهج الأخرى الخفية عندها كمادة، بل قد تصبح أكثر ضررا إن كان من سيدرسها يحمل توجها يتفق مع ذلك التعطيل أو يبتعد في الوسطية والاعتدال.

ومن الغرائب التي توجد في مناهج التعليم العام في هذا الزمن ما يدرسه طلاب المرحلة الثانوية أيضا حول المواريث وإخراج الزكاة خاصة زكاة الأنعام. فهي مع صعوبة استيعابهم للمصطلحات غير شائعة الاستخدام الآن، تعد مسارات متخصصة يجب أن تكون في الدراسة الجامعية لمن يدخل لتلك المسارات. علما بأن الفرد الآن يندر أن يقوم بتقسيم الإرث أو الزكاة بنفسه في الوقت الراهن مهما تعلم وحفظ تلك المسميات والتقسيمات، بل يحتاج لمختصين شرعيين في القضاء والأنظمة لتولي هذه الشؤون.

إن صرف وقت الطالب والمعلم في تعلم هذه العلوم التي لا جدوى من دراستها في التعليم العام يعد هدرا تنمويا وبشريا مقابل تعلم علوم حديثة ومعاصرة وواقعية تتفق مع صيرورة الحياة الراهنة ومع قيمها ومعطياتها، فضلا عن الهدر المادي في طباعة الكتب وفي لجان التأليف وما يتعلق بهما.

مناهج التعليم العام بالإضافة للتعليم العالي تحتاج من وزارة التعليم للالتفات لها بجدية أكثر، والخروج بها من رتم الرتابة والتكرار والاختراق المؤدي لانحراف فكري وإنساني، قد يأتي على شكل رسم مرفق أو أسطر إملاء أو تنويه جانبي أو متن كامل. العناية بالمناهج وتطويرها بما يتفق مع احتياج الوطن من اعتدال فكري ووسطية ونهضة إنسانية واقتصادية سيكون كفيلا بقطع الطريق أمام أي أفراد منتسبين لميدان التعليم، ما زال التطرف والتشدد كامنين في دواخلهم، كما أنها ستكون ذات عائد كبير على ثروة الوطن البشرية والفكرية. التعليم المفتاح الأول لنهضة الأمم، ومناهجه العتبة الأولى للتطوير والتغيير المنشود.