المتأمل للمشهد الحالي للعالم سيبصم بالعشرة أننا ذاهبون إلى مستقبل مختلف عما مرت به البشرية منذ نشأتها بدون شك، فكل المؤشرات تقول بأننا سنعيش أشكالا جديدة من المفاهيم والتطبيقات العملية الحياتية، وأننا ربما لن نحتاج مستقبلا إلى الذهاب في مسافات بعيدة لننجز أعمالنا ونؤدي المهمات المنوطة بنا، ويظهر من ذلك الشكل الأولي لمستقبل التعليم، والذي سيكون (التقليدي منه) من الماضي.

يحتل التفكير في التعليم وتطويره صدارة أولويات المستقبل وخططه بالتأكيد، وستتكفل الثورة الصناعية الرابعة التي تقوم في مجملها على الذكاء الاصطناعي بالمهمة التي كان ينظر إلى أنها أسطورية لا يمكن تحقيقها على المدى القريب، وهو التغيير الذي سيكون فيه بالطبع رابحون وخاسرون بلا شك، لكن السؤال الذي يطل برأسه هنا، ما الذي يجب أن نفعله لنكون من الفائزين في هذا التحول العالمي الحتمي والمُلح؟

أظن أن أهم نقاط الفوز تتمثل في عملية الاستثمار في التقنية الحديثة بكل توجهاتها وإنتاجها، فالأمر هنا لا يقبل الانتقائية بسبب اتصال حلقات التكنولوجيا ببعضها بشكل وثيق جدا، فإما أن تنجح في تشغيلها جميعا أو لن تتمكن ربما من إنجاز حلمك كما يجب، والاستفادة من الفرص العظيمة التي توفرها التقنية اليوم في مجال الأعمال والمهارات والمعرفة، وحتما سيبدأ ذلك من تعليم الصغار (الأطفال)، وتركيز العمل على تنمية مهارات عديدة للتفكير والتأمل، وبالذات مهارات التفكير الناقد، ومهارات التواصل والقيادة، فالفائزون هنا هم من سيكونون على معرفة واطلاع أكثر، وليس من يملكون المال أو السلطة، ونوعية التعليم هي من ستحدد اتجاه الدول والأمم في قادم التاريخ البشري، وسترسم شكل الحضارات القادمة.

والمؤثرون في ذلك المستقبل هم الذين يمتلكون مواهب وأفكارا ممتازة يمكن عبرها تطوير المهارات، وجعل الأشياء تبدو مفيدة أكثر، فالمواهب والملكات أصبحت أكثر قيمة اليوم ونحن نعيش عصر التقنية والذكاء الاصطناعي أكثر من أي وقت مضى، والمستقبل لن يرضى بغير المتميزين والأذكياء.

التعليم هنا هو المحور الأساس لكل التغيرات القادمة في العالم، وهو الهدف الرئيسي للذكاء الاصطناعي الذي تبني عليه الدول المتقدمة خططها للمستقبل لتظل في مراكزها المتقدمة أمميا، بحيث تكون أجزاء من المهمة التعليمية منوطة بالتقنية والروبوتات، وسيكون التعليم المنزلي أقرب إلى واقع الإنسان من عادة التقليدية الحالية، وسيعني ذلك تركيز الاستثمار في رأس المال الحقيقي للأمم وهو الإنسان، الذي يعد المكسب الحقيقي الذي يقف خلف المنجز التكنولوجي بكل أنواعه ورتبه، وتبدو اليابان من أكثر الدول إصرارا على سلوك هذا الطريق بعد أن ظهر ذلك من خلال إعلان رئيس الوزراء (شينزو آبي) مؤخرا، أن نصف العوائد الإضافية من الزيادة الكبيرة في ضريبة الاستهلاك، التي ستدخل حيز التنفيذ في 2019، سوف تُستثمر في التعليم قبل المدرسي. (أي الذين لم يبلغوا السن القانونية للالتحاق بالمدرسة)، وهذه نقطة متقدمة جدا في تفكير التعليم الياباني.

هذا التخطيط في الاستثمار (كرأس مال) كما تنظر إليه اليابان، هو ما يحتاجه الإنسان العربي الذي تبدو خطواته متثاقلة جدا في حلبة سباق التطور على مستوى العالم.

فالشكل والطرق التعليمية هنا هما الرهان الأول والأخير قطعا، إذ مهما تقدمت التقنية سيبقى الإبداع والابتكار البشري محورين لا نظير لهما لانطلاق أي مستقبل لأية أمة، وعلى الإنسان بموازاة ذلك أيضا أن يعي حتى وهو يبحث عن إحلال بدائل له هو شخصيا، أن يفكر في كيفية امتلاك زمام الأمور في كل مرة ينوي فيها إطلاق العنان للتكنولوجيا البديلة، أو سيكون هو نفسه من ضمن ضحايا التكنولوجيا والروبوتات، ولن يتمكن من ذلك إلا عبر التعليم النوعي الموازي لإبداعه التقني.