وقعتُ بالأمس على مقطع «فيديو» رائع جدا، فيه درس لمعاني الوفاء الذي قال عنه علي بن الجهم «وجربنا وجرب أولونا...فلا شيء أعز من الوفاء»، وفاء التلميذ لأستاذه، ودرس آخر يُستلهم منه كيف يمكن للوالدين والمعلمين صناعة طموحات أبنائهم وطلابهم من خلال التحفيز والتشجيع المادي والمعنوي، المقطع عُرض على إحدى الفضائيات، ويعود للدكتور «خالد البياري» الذي نال قبل أيام الثقة الملكية، وعُين مساعدا لسمو وزير الدفاع للشؤون التنفيذية، خلاصة المقطع أنه كان يذكر موقفا حدث له مع مدير مدرسته العزيزية، الأستاذ عبدالرحمن البطحي، يوم استدعاه إلى غرفة التربية الفنية وهو في الصف السادس يومها، ليهديه مجموعة كتب بينها موسوعة علمية لتميزه، وسمع منه ثناء لتفوقه، وبحكم الموقف فقد شكر الطالب خالد البياري أستاذه على الهدية، وتمنى أن يكون هناك مراحل عليا بمدرسته العزيزية، فقال له أستاذه «أبو إبراهيم»: يا خالد، خلك مثل السحابة تروح إلى كل مكان وتمطر «يقول خالد: لقد كانت تلك الكلمات ترافقني في كل موقع أذهب إليه، وتدفعني نحو التميز والتفوق في كل أعمالي، اليوم، وأنا أستعيدُ هذه الحكاية للدكتور خالد، وهو يتقلد المسؤوليات الجسام في وطنه السعودية، وجدتني أقف عند عتبة ذكرياتي في ميدان التعليم، مستعيدا الحوارات التي كانت تدور حول أهمية التحفيز المعنوي والمادي في الميدان التربوي وداخل الأسرة، ودوره في شحذ الهمم، وأثره في تحقيق الطموحات، إذ يبقى أثره يصنع التميز والتفوق عند الطفل والطالب، ويضفي عليهما شعورا بالراحة، ويظل وقودا يعيدان بواسطته شحن طاقتهما لتحقيق المزيد من النجاح والإحساس بالرضا. وتذكرت كم من الكلمات السلبية التي قد يلقيها معلم ما على طلابه لقصورهم أو تعثرهم، أو الوالدان على أبنائهما لموقف سلوكي ما، فبدلا من معالجة الأمر، تأتي الكلمات السلبية في ساعة عمى وغضب، لتكون بمثابة «المعول» الذي يكسر طموحاتهم، ويهدم شخصياتهم، ويهوي على أحلامهم ويهزم نفوسهم، وما أكبر ضررها النفسي على المدى البعيد، لو يعلم من يسيء المواقف، ويستعمل العبارات المحبطة ليقذفها في وجه طلابه أو أبنائه، ولعلكم تتذكرون المعلم الذي قال لطلابه قبل أسابيع، وتم تداول المقطع «تذاكرون أو ما تذاكرون، وظائف ما فيه!»، وأدعوكم إلى تأمل أثرها السلبي على معنويات طلابه!

إن اهتمام المعلم بتحفيز طلابه معنويا أو ماديا، قد يصنع منهم أبطالا في حياتهم، ونجوما في سماء مستقبلهم، فكم عبارة خطها معلم على دفاتر طلابه، حتى طلابه الذين لديهم قصور أو تعثر، فكانت بمثابة «حفلة» سكنت قلوبهم، وجعلتهم يستعيدون معها ثقتهم في نفوسهم، فالطلاب المتفوقون يرونها تدفعهم نحو التميز أكثر، والطلاب غير المتفوقين يرون فيها تشجيعا تستنهض فيهم الهمم من جديد، لكسب ثقة معلميهم الذين لم يحبطوهم، ولو عدنا لنرى تلك العبارات التي يخطها المعلمون لطلابهم في دفاترهم، أو تلك الهدايا البسيطة عقب كل منجز دراسي، لوجدناها لم تأخذ من المعلمين جهدا ولا وقتا، ولا مزيد حبر أنقص مداد أقلامهم، ولا مزيد جهد جسدي أنهك قواهم، ولم تكلفهم ماديا، بل نجدها استثمرت في نفوس طلابهم حماسهم، وأيقظت إحساسهم، وأوقدت فيهم الأمل، وزرعت فيهم الثقة، ودفعتهم نحو أحلامهم، وساندتهم للمضي نحو طموحاتهم (عبارات شكر وتقدير أو هدايا بسيطة) لا تكلف الكثير، لكنها تصنع الفرق الكبير في حياة طلابنا وأولادنا الذين يجب أن نعلمهم «أن في القمة مكانا يتسع الجميع»، لنفتح لهم بوابة الأمل.

إن الكثير من الدراسات التربوية وفي الموارد البشرية تشير إلى أهمية التحفيز المادي والمعنوي وأثره الإيجابي في نفوس الطلاب والعاملين، ولكنه ذو أهمية في ميداننا التربوي، مهما كان نوع التحفيز «عبارات ثناء مكتوبة أو مسموعة، شهادات شكر، إعلان أسماء المتفوقين في إذاعة المدرسة، أو إهداءات كتب أو نحوها أو بطاقات تحفيز، أو رحلة برية، أو زيارة لموقع ما» جميعها أساليب تحفيز، لا يمكن للطلاب أن ينسوها، وستظل الذكرى الأغلى في حياتهم الدراسية، حينما يتذكرون من أشاد بجمال خطوطهم، أو لعنايتهم بأنشطتهم المنزلية، أو لحرصهم على كتبهم ودفاترهم، أو لجهودهم وتفوقهم في الدراسة، ولن ينسوا أبد الدهر لحظة التحفيز ومن حفّزهم ودعمهم، ودائما المعلم المحفّز له موقع نفيس في قلوب طلابه، ووقع أثير في نفوسهم، يستعيدون ذكراه كما فعل د. البياري.

بقي لي أن أختم بالقول، إن التحفيز في ميدان التعليم حاجة ملحة من حاجات النفس البشرية التي يغريها الثناء، وبيد المعلم أن يستعمله مع طلابه المتفوقين وغير المتفوقين، لأنه يمكن للمعلم أن يغير من واقع المتأخرين دراسيا لو علم ظروفهم، فأعاد زرع الثقة في نفوسهم ورفع معنوياتهم، وحفزهم، وقدّر منجزهم أيا كان حجم المنجز، ثم إن للتحفيز المادي والمعنوي أساليبَ إبداعية ومبتكرة، منها ما يعمل على إيجاد التنافس والتحدي عند الطالب مع نفسه وبينه وبين الآخرين.