ناصر الدريهم



لا يخفى على ذي لُبٍّ ما يجده المسافر من عناءٍ ومشقةٍ أخبر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: (السفرُ قطعة من العذاب) والمراد بالعذاب الألم: الناشئ عن المشقة لما يحصل في الركوب والمشي من ترك المألوف.

ومن المشقة التي يجدها المسافر خوفه من نكبات الطريق من حوادث ومصائب، ومما يزيد عناءه أيضاً ما يجده في سفره من عدم تهيئة أماكن الراحة والعبادة وهي مساجد محطات الطرق وملحقاتها.

ذلكم الألم الذي لطالما عشناه وأُحرجنا بسببه ممن يزور البلد القدوة. فحال مساجد الطرق إلى وقت قريب لا يسر العدو فضلاً عن الصديق، من مبانٍ متهالكة وخدماتٍ مهترئة ومناظر مقززة. فقد يزور الإنسان إحدى مساجد محطات الطرق أو ملحقاتها فيرى ما لا يسره فيتنكد طوال رحلته أو في جزء منها.

بل وصل الحال ببعض المسافرين إلى أن يتوقف في البر لقضاء حاجته ويصلي، ويرى أن ذلك أهون عليه مما يجده في تلك المرافق وخدماتها. أليس هذا مما يندى له الجبين وتنكسف لأجله الحال؟

ها قد أصبحت مساجد الطرق هماً مزعجاً وهاجساً مؤرقاً، فما إن يفرح المسافر بسفره إلا ويتذكر ذلك الهم فينقلب فرحه حزناً وسروره غماً.

لكن ما من مشكلة إلا ولها حل وما من داء إلا وأنزل الله له دواء، وقضى الله على عباده في هذه الحياة بأن سخرهم لبعضهم: (أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضاً سُخريا ورحمة ربك خيرٌ مما يجمعون).

فقد سخر الله لبيوته ولخلقه رجالاً حملوا هذا الهم على عاتقهم وأشعلوا هممهم طلباً فيما عند ربهم وابتغاءً فيما ادَّخره.

قامت مبادرة مباركة من رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه –نحسبهم كذلك- فبذروا وغرسوا نواة مباركة تحمل هم أحب البقاع إلى الله، فبنوا ورمموا وصانوا مساجد الطرق حتى تبدلت حالها إلى حال تسر الناظرين.

ثم تحولت تلك المبادرة إلى مؤسسة خيرية غير ربحية تهدف إلى جعل مساجد الطرق نموذجية ومستدامة جاذبة لزوار الحرمين الشريفين. تعرف باسم: المؤسسة الخيرية للعناية بمساجد الطرق، وهي تعمل بترخيص من وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد.

فحولت تلك المؤسسة الألم الذي عشناه طويلاً إلى واقع أنسانا مرارة ما مضى أو شيئاً منه.

قد لا أبالغ إن قلت إن مساجد الطرق وملحقاتها التي تشرف عليها المؤسسة تفوق حال كثير من المساجد الواقعة داخل المدن، وخلال فترة وجيزة حققت أرقاماً مبشرة حظيت من خلالها على رضا المجتمع وتزكية عدد من علماء هذه البلاد ووجهائها.

وقد أطلقت المؤسسة مع بداية عام 2018 خطتها الاستراتيجية الممتدة حتى عام 2023 للعمل وفق خمس قِيَم تُنبئ من حولها أنها تعمل بنفس احترافي تنافس به كثيرا من الجهات الخيرية، رغم قصر عمر المؤسسة وهي: (الشفافية والتكامل والإتقان والتطوع والابتكار).

فواجبنا تجاه هذه المؤسسة وغيرها من الجمعيات والمبادرات النافعة أن نسعى لتحقيق أهدافها ومعرفة مدى احتياجها من دعم بمال أو تطوع بدني أو ذهني.

فبمثل ذلك يرتقي المجتمع ويزداد الوعي.