أصبح ممكنا أن تستفيد المدن والقرى في المملكة من كميات الأمطار التي تهطل عليها، على المدى الطويل بدلا من هدرها، أو تخزينها في السدود، عبر مشروع «الحصادات» الذي يشمل تجميع المياه، وحساب الكميات، وإيجاد المكان الملائم للخزن.

 وقال الدكتور خالد بالخير من قسم علوم وإدارة المياه في جامعة الملك عبدالعزيز،  إن فكرة مشروع حصاد مياه الأمطار تم دعمها من مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، ضمن برنامج الخطة الوطنية لمشاريع التقنيات الإستراتيجية.






تحول كثير من مواسم هطول الأمطار في المملكة إلى فيضانات جارفة وأحيانا مدمرة، متخطية الأودية التي تحملها، ومقتحمة المدن بأحيائها وشوارعها، بالنظر إلى الكميات الضخمة من المياه التي تحملها تلك السيول والتي ما تلبث مع نهاية الموسم أن تختفي، وكأنها لم تكن، ويحل مكانها الجفاف.

ويطرح الدكتور خالد بن سعيد بالخير من قسم علوم وإدارة المياه في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة، سؤالاً عريضاً، بالغ الأهمية، يقول:

ــ أين ذهبت هذه المياه، وهل تمت الاستفادة منها؟

ويتولى الدكتور بالخير الإجابة، قائلاً: إذا علمنا أن كميات المياه الهاطلة في العاصفة المطرية الواحدة قد تفي باحتياجات المنطقة لعدة شهور، وأن هذه المياه ذات نوعية ممتازة، بل تصلح للشرب قبل اختلاطها وتلوثها، فإن هذه الثروة الطبيعية المتجددة تستحق اهتمام المسؤولين بها والسعي لاستغلالها، ليس فقط لكثرة الطلب عليها، بل لشحها على مدار العام، وغلاء ثمنها في بلاد تفتقر لمصادر المياه الطبيعية.

ويتناول الدكتور بالخير الموضوع بدراسة وافية شاملة، طبقت عمليا على وادي الليث، وأثبتت نجاعة حصاد مياه الأمطار إذا ما تمت مراعاة ظروف المملكة الجافة في حصاده، وهو ما تثبته الدراسة في نتائجها التي ستعرض في عدد الغد.

وقد تناولت الدراسة عدة محاور، وأبرز ما فيها:

 


طريقة حصاد مياه الأمطار


ما يدعو إلى إجراء تعديلات على طريقة حصد مياه الأمطار في المناطق الجافة مثل المملكة، مقارنة بما هو معمول به في غيرها، هو قلة عدد أيام هطول الأمطار، ففي تلك الدول تهطل الأمطار طوال أيام الموسم، وربما خارجه، وقد يصل عدد أيام الهطول إلى عدة شهور، وبذلك تتناسب معها طريقة حصد المياه اليومية والاستخدام المباشر، كما أن كميات المياه قليلة نسبيا تفي باحتياجات التجمعات السكانية الصغيرة لفترات زمنية قصيرة من عدة أيام إلى عدة أسابيع، وهذه الطريقة تكون فعالة وناجحة عندما يكون عدد أيام الأمطار في السنة كثير، بينما الوضع يختلف في بيئة المناطق الجافة، إذ إن عدد أيام المطر في السنة الواحدة قليل جداً، لا يكاد يصل إلى 10 أيام في كثير من مناطق المملكة، وعليه فإن طريقة حصاد مياه الأمطار كما هو متبع في مناطق العالم المطيرة لا تجدي إذا ما تم تطبيقها على مناطق هطول الأمطار في السعودية، وهذا يدفعنا إلى قبول فكرة الحصاد لفائدتها العظيمة ولكن بعد إجراء تعديلات وتحسينات على الطريقة، بحيث تأخذ في اعتبارها وسائل الخزن وحجم المياه المخزنة، ومن هنا نبعت فكرة مشروع حصاد مياه الأمطار الملائم لظروف المناطق الجافة، الذي تم دعمه من مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، ضمن برنامج الخطة الوطنية لمشاريع التقنيات الاستراتيجية، من المؤشرات التي دعت إلى اقتراح فكرة المشروع هي كمية مياه المطر خلال العاصفة المطرية الواحدة، فعلى الرغم من أن عدد الأيام المطيرة قليل إلا أن حجم مياه المطر الهاطل في العاصفة الواحدة قد يفي باحتياجات قرى أو مدن لعدة شهور.


شح المياه وأهمية توفيرها


شح مصادر المياه حقيقة نعيشها على أرض الواقع، والمطالبة بتوفيرها تأتي في الدرجة الأولى من حيث الأهمية، وعادة يرتبط شح المياه والجفاف بالمناطق ذات البيئة الجافة مثل المملكة العربية السعودية، ومن هنا يتبين لنا أن مطلب توفير المياه ذو أهمية بالغة لا يقبل المساومة، فمن أجله يُبذل الغالي والنفيس، فبالنسبة للمملكة التي تعاني من شح في الموارد المائية لم تألو الحكومة جهداً في بذل جل طاقتها وإمكاناتها على مر العقود لتوفير المياه لكل مدينة وقرية، حتى أصبح المواطن ينعم بتوفر الماء بأسعار تضاهي مثيلاتها في أغلب دول العالم الغنية بمصادر المياه.تعتمد المملكة على صناعة تحلية مياه البحر لتوفير مياه قابلة للاستخدام الآدمي، وهذا الخيار يعد استراتيجيا واضطراريا في الوقت نفسه، وذلك لموقع المملكة ضمن أحد أكثر مناطق العالم جفافاً، وعلى الرغم من قلة الأمطار السنوية على كثير من مناطق المملكة يمكن القول نظريا إن استغلال نصف كمية مياه الأمطار الهاطلة، ربما يحل أكثر من نصف مشاكل توفير المياه، وهذا يقودنا إلى سؤال عملي:

ــ كيف يمكن استغلال مياه الأمطار؟

 


سد احتياجات المملكة من المياه


تصنف المملكة ضمن المناطق الجافة لقلة الأمطار وزيادة درجات الحرارة وعدم وجود مسطحات مائية أو أنهار جارية، فهي تعتمد على المياه الجوفية الشحيحة التي استنزفت على مر العقود للأغراض الزراعية والاستخدامات المنزلية المحدودة، ومعظم مدن ومحافظات المملكة تعتمد حالياً على إنتاج محطات تحلية مياه البحر للاستعمالات المنزلية، والتي بدورها أصبحت غير كافية في ظل التوسع العمراني وتغير أنماط الحياة، وأضحت لا تواكب الزيادة المطردة في عدد السكان، وإذا أضفنا إلى ذلك التكلفة الباهظة لتحلية المياه تصبح المعضلة أكبر من الناحية الاقتصادية.

ومن هنا أدرك المسؤولون أن مشكلة الطلب على المياه أخذت تتفاقم، فتوجهت الأنظار إلى إيجاد مصادر بديلة تضاف إلى إنتاج مياه التحلية لتواكب الطلب على استخدامات المياه المنزلية والبلدية.

ومن جانب آخر هناك احتياجات تتجاوز إنتاج مياه التحلية بمراحل، وهي احتياجات المياه في الزراعة، والتي تشكل أكثر من 80% من الاستهلاك الكلي للمياه، إذ لا غنى عن هذا الجانب الهام لكي تكتمل منظومة الاكتفاء الذاتي من الماء والغذاء، فإلى جانب مياه التحلية التي ساهمت بشكل كبير في سد احتياجات الطلب على المياه المنزلية فإن الاستفادة من مياه الأمطار وتوطين طرق وتقنيات حديثة لتوفير المياه من الأهمية بمكان، إذ لا تستطيع. ومن غير المقبول أن يستثمر قطاع تحلية المياه لأغراض استعمالات غير منزلية، بل إن رؤية المملكة 2030 فيما يتعلق بالمياه والاستدامة كانت واضحة، فهي تدعو إلى «تعزيز مصادر المياه الطبيعية، والتوسع في إيجاد حلول، وتوطين تقنيات جديدة منخفضة التكلفة في تحلية مياه البحر».

 


طرق قديمة


من الطرق التي مارسها الإنسان منذ القدم لتوفير المياه وسد احتياجاته إقامة السدود على مجاري الأنهار والأودية، وهو ما استثمرت فيه حكومة المملكة مليارات الريالات حين أنشأت مئات السدود في عدد من مناطق المملكة على مر العقود الماضية، وقد حققت هذه السدود ولا زالت أهدافها إلا أن سلبياتها تعوق إلى حد كبير الاستفادة القصوى من مخزونها، وذلك لتبخر قدر كبير من المياه، ومحدودية التوزيع المكاني للمياه، ومن الطرق المتبعة التي قلما تجد لها سلبيةن والمستخدمة في كثير من دول العالم، طريقة تجميع مياه الأمطار والاستفادة منها أو ما يعرف بحصاد مياه الأمطار (Rainwater Harvesting)، وهذه الطريقة باختصار تعتمد على تجميع مياه الأمطار من فوق سطوح المباني أو المسطحات المعدة لذلك، ومن ثم الاستفادة منها بعد تخزينها، وعادة ما تكون كميات المياه المحصودة بهذه الطريقة محدودة يمكن الاستفادة منها لأغراض محدودة ولفترة قصيرة ربما لا تزيد عن أيام أو أسابيع معدودة، وبالإطلاع عن قرب على تجارب الدول التي تطبق هذه التقنية مثل الصين ومعظم دول شرق آسيا وأستراليا وغيرها، وكذلك زيارة بعضها، اتضح لنا أن حصاد مياه الأمطار يمكن تطبيقه على كثير من مناطق وأودية المملكة بعد إجراء تعديلات مناسبة على طريقة حصد وتخزين المياه، لتتلاءم مع ظروف مناطق هطول الأمطار في المملكة، وكذلك الظروف المناخية الجافة.

 


الحاجة إلى الحصاد


الطلب على المياه بالمملكة في نمو مطرد ومياه التحلية لا تستطيع مواكبته.

كثير من دول العالم تلجأ إلى حصاد مياه الأمطار لسد احتياجاتها من المياه


لا يوجد نظام لحصاد واستغلال مياه الأمطار في المملكة


إقامة السدود هو أكبر مشروع عرفه الإنسان لحصاد مياه الأمطار ولكنه ضئيل الجدوى في المملكة لعدة أسباب


حصاد مياه الأمطار بطريقة خزانات الحصاد المبتكرة في هذه الدراسة يتناسب مع ظروف المملكة


حجم مياه المطر الهاطل في عاصفة واحدة قد يفي باحتياجات قرى أو مدن لعدة شهور إذا ما تم حصده