بعد أيام من بدء زيارة ولي العهد التاريخية إلى الولايات المتحدة الأميركية وصف جوستن وورلاند في مجلة تايم الأميركية الجولة بأنها مخطط لها بمثالية، ووصفه هذا لم يأت من فراغ، وهو الذي يرى زعماء العالم يتقاطرون على واشنطن ويكتب فيهم آراءه اللاذعة المنتقدة، وجاء تعبير وورلاند في سياق يدركه المراقبون والمحللون والباحثون مبنيا على رصدهم لجدول زمني وبرامج ممنهجة مخطط لها بشكل مدهش.

عندما زار الملك سلمان أميركا في سبتمبر 2015 صدرت إشارات من مسؤولي البيت الأبيض لبعض كبار الصحفيين في الواشنطن بوست والنيويورك تايمز أن ضعوا أعينكم على محمد بن سلمان، وكتبت عن ذلك وقتها نقلا عنهم في أثناء زيارتنا للصحيفتين، وفي أبريل 2016 أي بعد ستة أشهر من الزيارة أعلن الأمير محمد رؤيته 2030 التي باركها الملك سلمان في جلسة مجلس الوزراء الشهيرة، وبعدها بشهرين زار أميركا حاملاً رؤيته التي هي رؤية السعودية، في زيارة طويلة كانت لها أهداف سياسية وعسكرية وأمنية (واشنطن) واقتصادية ومالية (نيويورك) وعلمية وتقنية وتجارية (كاليفورنيا)، وبعد أقل من عام في مايو 2017 كانت قمم الرياض عندما كانت الرياض أول محطة خارجية للرئيس الأميركي ترمب، وبعد خمسة أشهر عقد منتدى مستقبل الاستثمار في أكتوبر 2017 في الرياض، وشارك فيه متحدثون يديرون أعمالاً يبلغ حجمها 22 تريليون دولار، وكان المنتدى منصة تفاعلية تسعى إلى رسم ملامح مستقبل الاقتصاد والاستثمار في العالم لعقود مقبلة، كما سعت إلى استكشاف الاتجاهات الجديدة في كون يتغير بشكل جذري ومتسارع، بعد أن أوصد الباب أمام الثورة الزراعية، وطوى صفحة الثورة الصناعية، ثم جاءت الحملة على الفساد بعد ذلك بشهر في نوفمبر 2017، مع أنه خطط لها بعناية لأكثر من عامين، وكانت نتائجها مبهرة على المستويين الداخلي والخارجي، على الرغم من التخوف الذي صاحبها في البداية على الصعيد المالي والاقتصادي والاستثماري المحلي والدولي، خاصة وأن هناك تجربتان لمحاربة الفساد سبقتاها في نيجيريا وجنوب إفريقيا انهار معها اقتصاد البلدين، وبعد ذلك بثلاثة أشهر كانت الجولة الخارجية الأولى لولي العهد، بدأت بمصر في 4 مارس وبريطانيا 6 مارس وأميركا 20 مارس.

والجولة كان مخططا لها بهذا الترتيب بعناية، فمصر بالإضافة إلى كونها أكبر وأهم بلد عربي، لها أهميتها في مشروع السعودية الجديدة، لأنها ستكون امتداداً لمشاريع نيوم والبحر الأحمر، والمشاريع المقبلة التي تستهدف العالم عبر هذا البحر، الذي تمر من خلاله 30 % ? من حركة الملاحة العالمية، وجسر الملك سلمان سيربط عبر السعودية أوروبا والأميركتين بالشرقين الأقصى والأدنى مروراً بالأوسط.

وزيارة بريطانيا جاءت في وقت هي أحوج ما تكون فيه لدول العالم المؤثرة وعلى رأسها السعودية، بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي (البريكست)، وتريد أن تثبت لمواطنيها وللعالم أنها قادرة على التحرك دولياً واقتصادياً، وأنها جاذبة للاستثمار في الداخل ومرغوبة استثماراتها بالخارج.