دهشة ويلبور روس في ملتقى الرؤساء التنفيذيين السعودي الأميركي في الأسبوع الماضي أخذت صدى كبيرا، ليس لأنه وزير للتجارة، فهو لم يمض في هذا المنصب سوى 13 شهرا فقط، وإنما لدهشته دلالاتها العميقة لأنه رجل مصرفي لا تبهره العموميات، وقد تخصص في تحويل الشركات المتعثرة إلى ناجحة، وبها اكتسب شهرته، ولذلك فحين يقول إن السعودية تتجه نحو تغير تاريخي لا يقصد بها مجاملة بروتوكولية، لأنه أورد شواهد وفصّل سبب دهشته من السعوديين الجدد الذين لا يتحركون بالنوايا والعموميات ولا بالأماني، فإن التمني رأسمال المفلس.

روس يقول إن السعوديين لديهم إحصائيات لقياس أدق التفاصيل، ومعروف أن أي زيارة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، أو ولي عهده الأمير محمد بن سلمان، لا تتم إلا بعد أن يتم استكمال ملف الدولة المعنية تماما، بحيث تكون الزيارة هي تختيم المباحثات لا البدء فيها، ومن يرصد زيارات الوزراء المتبادلة بين السعودية وأي دولة، واللجان المختصة التي تذهب وتأتي، وموافقات مجلس الوزراء في قراراته على مذكرات التفاهم والاتفاقيات، وأعمال مجالس التنسيق ومركز الشراكات الإستراتيجية، يعرف بسهولة لماذا تكون هذه الزيارات تاريخية وناجحة، وجدول أعمالها مزدحم ودقيق، ونتائجها واضحة وملموسة، خاصة إذا قارناها بما سواها من الزيارات لقادة وزعماء إقليميين آخرين إلى الدول نفسها.

إن الخط الزمني للتخطيط المثالي الذي أشار إليه وورلاند، وقياس أدق التفاصيل الذي أدهش روس، ليسا إلا حلقتين تؤديان إلى نتائج ملموسة، بعد أن انتقلت رؤية 2030 إلى التنفيذ على المستويين المحلي والدولي، وحتى لا يكون الكلام مجانيا سأتناول بعض الملفات التي بدأت نتائجها الأولية تظهر، وسأبدأ بملف التسليح.

نعرف جميعا ضخامة ميزانية وزارة الدفاع في العقود الماضية، ونمو وتطور الجيش السعودي الذي حقق إنجازات عسكرية كبيرة، من خلال مشاركاته الفعلية في حروب سابقة في اليمن والوديعة وتحرير الكويت، والدفاعات الجوية ضد صواريخ سكود، ودرع الجزيرة وغيرها، ولكن كان السؤال الذي يتلجلج في النفوس: هل هذا هو الحجم الذي نريده لجيشنا السعودي مقارنة بالجيوش الإقليمية؟ وهل يتوافق حجمه مع حجم الإنفاق عليه؟ وكانت تدور في أذهاننا فكرة ساذجة أننا لا نحتاج إلى بناء جيش قوي، لأننا نستطيع أن نجعل جيوش العالم تحارب عنا بأموالنا، وحتى عندما كنا نشتري سلاحا نخضع لضغوط من السياسيين أو المشرعين في تلك الدول بالموافقة أو عدم الموافقة على بيع السلاح لنا، واشتراط أن تكون الأسلحة مما تجاوزته تلك الدول بخطوة أو خطوات، فيما يسمح لدول أخرى في المنطقة بشراء أسلحة أكثر تطورا وقدرات قتالية، فما الذي جد في الأمر بعد عامين من رؤية 2030؟.

في مؤشر Global Fire Power لعام 2017، كان ترتيب الجيش السعودي الثاني عربيا و«22» عالميا، ويعتمد المؤشر في تصنيفه على 50 عاملا، منها تنوع السلاح والصناعة المحلية، فيما لا يعد عدد الأسلحة ميزة في المؤشر، وكان من أهداف الرؤية زيادة المحتوى المحلي في الصناعات العسكرية وتوطينها، واشترطت وزارة الدفاع توطين 100% من الصناعات الخفيفة والمساندة، و50% من الأسلحة المتوسطة، و20% من الأسلحة المتقدمة أو المعقدة، في وقت لم نستطع رغم الميزانيات الضخمة صناعة رشاش مثل عوزي الإسرائيلي، وشكك الناس وقتها أن السعودية تنجح في رفع المحتوى المحلي، لأن الدول تتحفظ في بيعنا سلاحها فكيف بنقل تقنيتها إلينا وتوطينها وتصنيعها على يد شبابنا السعودي، وكانت النتيجة بعد سنتين أن البيت الأبيض سمح لصور الرئيس الأميركي وهو يعرض مخططات الأسلحة التي يرغب في أن تشتريها السعودية وتمتلكها، وهاجمه البعض: كيف يتحول ترمب إلى مسوق للأسلحة بدل أن يتحفظ على توريدها؟ وغاب عنهم أن الرئيس يعلم ماذا يترتب على تطوير السعودية لقدراتها الدفاعية العسكرية، وهي التي تملك مفاتيح التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، ودورها في تعزيز الأمن والاستقرار بالمنطقة، وهذا ليس ادعاءً منا بل هو كلام وزير الدفاع جيمس ماتيس، الجنرال السابق في حلف الأطلسي الذي خاض حروب أفغانستان والعراق، وترمب عرف لماذا باعت روسيا منظومة اس 400 للسعودية فورا وترددت في بيعها لإيران وتركيا، ولماذا عرضت بريطانيا التايفون في مرحلة مبكرة على السعودية، وهو يعرف أن هناك 15 دولة تتسابق لتطوير قدراتنا الدفاعية والعسكرية وبشروطنا.

ومتى ما اكتملت هذه الاتفاقيات ببناء هيئة الصناعات العسكرية لها وتوطين مصانعها، وتدريب شبابنا على صناعتها واستخدامها ومستقبلا بيعها، نحقق من خلال الرؤية حديث: «المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف»، والعبارة السعودية الشهيرة: القوة لا بارك الله في الضعف.