صياغة جديدة للاختبارات.. تعديل في نظام التقويم المستمر لطلاب المرحلة الابتدائية، استحداث النظام الفصلي الجديد للمرحلة الثانوية، ثم إقرار نظام «المقررات» مباشرة... نداءات خصخصة التعليم.. قرارات جامدة تحد من ظاهرة غياب المعلمين، وتهديدات تنظيمية «بالحسم» عند تأخرهم.

الصباحي المبكر.. كتب دراسية تتغير، ومقررات جديدة تستحدث، وحديث حول تغلغل تيارات فكرية في النسيج التعليمي.. ومع ذلك، فكل ذلك، وأكثر، يظل بعيدا عن مقاربة أزمة التعليم وتلمس خطى نجاح منظومته الأكثر أهمية في المكون الاجتماعي والحضاري!



 «1»

المشهد الواقعي للفئة المستهدفة «الطلاب» في غمرة تلك القرارات و«الفتوحات» التعليمية الهائلة هو كالآتي: الطلاب من الناحية الفكرية فارغون من حقيقة العلم ومناهجه وتطبيقاته المادية، وهم من الناحية السلوكية الأخلاقية «يدخنون» في مراحل مبكرة، وبعضهم «يدخلون» في صلاة الجماعة داخل المدرسة من غير وضوء، و«يتسابون» بمحارمهم، عند خصوماتهم مع بعضهم!



 «2»

أما من ناحية «منهج التفكير» المكتسب، فالمشهد يبدو مجدبا فقيرا كارثيا «بكل ما تحمله الكلمات من معنى»، فالطالب لدينا لا يعرف عندما يريد «تلخيص» موضوع ما كيف «يرقم» فقرات ذلك النص، فيكتب مثلا «أ» ثم يفرع عنه «1..2» ثم «أولا.. ثانيا» وهكذا! كما أنه لا يعرف كيف يتعرف على الأشياء «اللاحقة» من موجودات «سابقة» من خلال قاعدة «النقيض» أو علاقة «السبب» أو....، فإذا ذكر له أن الشعر العباسي يتكون من تيارين اثنين «الأول هو تيار تقليدي محافظ..» لا يمكن أن يقول لك غالبا: «الثاني هو التيار التجديدي المستحدث»، وإذا كتب له على اللوحة الفصلية أن أرقام واجبه «1-4» «أشار» في كتابه على الفقرات «1، 2، 3، 4»، وهو إلى ذلك لا يفرق بين موضوع النص وأدواته أو أسلوبه أو لغته أو أي مسمى يقابل الموضوع..! بمعنى أنه يفتقد أبسط مقومات منهج التفكير العلمي على الإطلاق!



 «3»

وفي الحقل المعرفي نجد «ذات» الفقر، فالطالب لدينا لا يعرف علاقة الفيزياء بالرياضيات، ولا علاقة الأدب بالبلاغة، رغم الوشائج القوية لتلك العلاقات! كما أنه لا يعرف التطبيقات الممكنة لمادة «النحو» في الواقع! ولا يعرف اسما واحدا من أسماء العلماء «العرب أو الأجانب» من الرواد الذين نهضوا بالعلوم التطبيقية أو اللغوية، وطالبنا على أي حال، لا يستطيع أن يستثمر ما يأخذه من موضوعات دراسية، لتفسير ما يقرأ ويسمع ويجري في العالم الفسيح!



 «4»

تطوير مستوى طلابنا، لا يتم من خلال «التقويمات» المستحدثة، ولا من خلال تغيير نظام تسجيل درجات المادة الدراسية، ولا بواسطة تغيير نظام الاختبارات، وإنما من خلال وجود شيئين حاسمين منذ البدء: الحافز الثقافي والمادي للتعلم، والبيئة التعليمية الجاذبة.



 «5»

وفيما يختص بالمعلمين، فإن الواقع يفصح عن معاناة قاهرة يكتوي بنارها ذلك المعلم الذي يهددونه صباح مساء بالعقوبات والحسومات، ويختصرون النقاش حوله بما عليه فقط من تكليفات وواجبات، ويهددونه مع كل «مؤتمر أو ملتقى» بالمزيد من الأعباء والتكليفات وتقليص المكتسبات، أما حقوقه فيأتي الحديث عنها عارضا: كالوعد بابتعاث آلاف من الأكفاء لخارج البلاد، اكتسابا لمزيد من المهارات!

ذلك المعلم الذي ينظرون إليه بشك وريبة، يقف كل يوم أمام طلابه أربع ساعات تامات «فلا يجلس»، وإذا أراد «فلن يجد»، ويكلف خلال اليوم الدراسي مع تلك «الوقفة» بحضور طابور الصباح، وبإشراف على كل أرجاء المدرسة، وكتابة دفاتر الإعداد، ومتابعة واجبات الطلاب، وعمل و«تصحيح» نماذج الاختبارات والمشاريع المستمرة، وإكمال سجلات الطلاب التي تحتوي أحيانا على ما يقارب المئتي طالب...!

كما أنه يدفع من جيبه ثمن مكتبه، ومن «ينظف» مكتبه ودورة مياهه التي يشترك فيها معه عشرون معلما! كما أنه يظل مكشوف الظهر أمام الأشقياء المعتدين «داخل وخارج المدرسة»، إضافة إلى عدم تمتعه بتأمين طبي ومراكز معلوماتية أو ترفيهية و.. و...، والأدهى والأمر أن بعض المعلمين -أصلا- لم يعينوا على المستوى والدرجة التي يستحقوها نظاما وتشريعا، «أي أن لهم حقا كبيرا، لم يستردوه من الذين ائتمنوهم على حقهم الضائع بين البنود الظالمة»، وفي أثناء أخرى فليس للمعلمين «المتميزين» أو القدامى أي قيمة تقديرية، فقد تجد معلم السنة الواحدة مع معلم الـ25 عاما واقفين سويا كمشرفين على الطلاب أمام دورات مياه الطلاب!!

أخيرا: الحقيقة -بجد- أن كل ما يصدر عن المؤسسة التعليمية وما يتوقع أن يصدر عنها، يظل في واد، ونجاح التعليم بوجود مخرجات حقيقية يستقر في واد آخر «بعييييييد.. بالمرة»!.. حتى الآن..!!