زينب المطر



عاشت المملكة العربية السعودية على مدار سنوات طوال حياة اجتماعية يسودها الهدوء والأمان والرخاء، لاسيما في عهد ما بعد اكتشاف النفط. فالمجتمع السعودي مجتمع محافظ يتمتع أفراده بالخصوصية وتقارب الأفكار والمعتقدات والدين الموحد الإسلام.

وكما قال ابن خلدون «مؤسس علم الاجتماع» «إن أي تغيير يحدث في المجتمع يدل على التقدم والرقي البشري، وإن التغيرات الاجتماعية تعتمد بشكل مباشر على مجموعة من الظواهر المستمرة، والتي تشمل كافة النواحي الإنسانية»، ومن هنا فإننا نلاحظ أن المملكة العربية السعودية تشهد ما قال عنه العلامة ابن خلدون من تغيرات وتطورات لم تشهدها المنطقة مسبقاً على الصعيد السياسي والمجتمعي والاقتصادي.

فالتطور الحاصل أدى إلى نشوء أفكار جديدة وتغير مفاهيم واعتقادات كانت من ضمن ما يعرف «بالتابو» أي المحرم الذي لا يمكن تغييره أو المساس به. ومن أهم الشواهد على ذلك تعليم المرأة، فبالرغم من انخراط المرأة في ميدان التعليم منذ عام 1956، إلا أنه لم يكن من الشائع أن تأخذ المرأة حقها في التعليم كاملاً، بل كانت الصورة النمطية لها تعليم وتعلم القرآن وأحكامه وتجويده فقط. وأما اليوم فأصبح من السائد أن تتعلم المرأة تعليماً أكاديمياً في كافة مجالات الحياة، وتأخذ الدروس الدينية والدنيوية سواء داخل الدولة أو خارجها، وذلك لدفع عجلة التنمية والإسهام في بناء الوطن أسوة بالرجل دون تعطيل لدورها أو تقليل من شأنها! وهناك أمثلة لا حصر لها تبين التغير الملحوظ في وقت وجيز، والذي تشهده المملكة في وقتنا الحاضر على كافة الأصعدة.

ولو نظرنا إلى السعودية الجديدة لعله سيتبادر إلى أذهاننا فوراً شعار المرحلة التي نعيشها وهو «رؤية 2030»، هذه الرؤية التي وضعها الأمير محمد بن سلمان أصبحت مرتقبة من الشعب السعودي بشكل خاص ومن العالم أجمع بشكل عام. فمن خلالها ستُلبى المطالب وستحقق الإنجازات، وذلك من خلال عن طريق ثلاث محاور:

المحور الأول المجتمع الحيوي: ويتمثل بتقوية روابط أفراد المجتمع وتقبل الاختلافات ونبذ النعرات العنصرية والطائفية والعرقية والمناطقية، التي لا تمت إلى الدين الإسلامي ومنهجه الوسطي المعتدل بأي صلة. بالإضافة إلى تهيئة البيئة الاجتماعية الإبداعية والمحفزة والتي تتوافر فيها مقومات جودة الحياة للمواطن والوافد.

المحور الثاني: في هذه الرؤية فهو لا يقل أهمية عن سابقه. حيث كان شعار هذا المحور هو «الفرص متاحة للجميع على حدٍ سواء»، وذلك عبر بناء منظومة تعليمية مرتبطة باحتياجات سوق العمل وإتاحة الفرص للجميع للتنافس واقتناص الفرص، والاستفادة من الدعم المتاح والقطاعات العامة والخاصة والأفراد. كذلك الاستفادة من خبرات أفضل الكفاءات العالمية في تطوير المشاريع المخطط لها كمشروع القدية، وهو أكبر مدينة ثقافية ورياضية وترفيهية على مستوى العالم، إضافة إلى المشروع الذي يربط ثلاث قارات ويجمع أفضل العقول والشركات معاً لتخطي حدود الابتكار إلى أعلى المستويات.

المحور الثالث: من الرؤية فتكمن أهميته في دعم مشاريع القطاع العام مما يسهم في تطوير عملية التنمية المستدامة واستثمار الطاقات البشرية والموارد المتاحة. فهذه المرحلة التي نشهدها تأخذ بزمام الأمور نحو الهمة والعمل والتنافس الشريف بين أفراد المجتمع، فهم الثروة التي يعول عليها الوطن، فإما أن نكون أو نكون.

ومن هذا المنطلق حرصت السعودية على إنشاء مراكز بحثية في مختلف المجالات كمركز الملك سلمان لأبحاث الإعاقة، ومدينة الملك عبدالله للأبحاث الطبية، ومركز غورا للأميرة بسمة آل سعود للاستشارات والأبحاث العلمية، إضافة إلى باقي المراكز البحثية التابعة للجامعات، لتشكل جميعها مرساة أساسية لتطوير المسيرة العلمية والبحثية التي تدعم التنمية. فالدور المهم في هذه المرحلة يأخذنا إلى العمل بجد والتعرف على متطلبات المجتمع ومشكلاته وحلوله، لنواكب العصر بإنجازاتنا وفق أبحاث علمية وخطط مدروسة.