ماجد الوبيران



هناك من بيننا من يحبون القراءة، لكنهم يقرؤون كل مقروء يقع بين أيديهم، جامعين قدرًا كبيرًا من المعلومات والمعارف دون تنظيم، أو منهجية في القراءة، وهذا جيد، لكنه لا يعود على الشخص بكبير فائدة إلا فيما يتعلق بالمعلومات والمعارف.

فإن كنت ممن يحبون القراءة فلا مانع من أن تقرأ كل شيء، لكن إلى جانب ذلك وجه قراءتك إلى علم من العلوم؛ فهذه القراءة هي التي تبني الشخصية، وتطور الفكر.

إن الذين يوزعون أنفسهم في علوم شتى لا أراهم قادرين على الإبداع الفكري، والتأثير في الآخرين، فقراءتهم تلك عبارة عن مجموعة من المعلومات والمعارف اجتمعت في شخص ينقلها إليك، وهو أقرب إلى الإمتاع منه إلى الإفادة!

رأينا ذلك في أساتذة الجامعة، حيث بدا واضحًا مدى تأثير ذلك الأستاذ الذي ركز قراءته في علم من العلوم، سواء أكان في تخصصه، أو اختار علمًا آخر كثف قراءته فيه، وركز عليه، ولا يعني هذا أبدًا قصورًا في الآخرين، بل وكما قال رالف إمرسون «كل إنسان أصادفه لا بد أن يفوقني من ناحية، أو أخرى؛ ولذلك أحاول أن أتعلم منه».

لكن الموضوع يتركز في القراءة الابتكارية، وهي القراءة التي تجعلك بارعًا في فنك، مؤثرًا فيمن حولك، قادرًا على التفكير الإبداعي، وفتح طرق الحياة للآخرين؛ لأنك قد وضعت لك هدفًا من هذه القراءة، وهو هدف تطويري يصقل الشخصية، ويعزز الموهبة، ويجعلك ذا رأي، وفكر، وتأثير.

القراءة ليست هواية كما يظن البعض ويقولون، بل هي قاعدة ثقافة، ومنهج حياة، ومهارة أساسية تكوِّن البعد المعرفي والإنساني والحضاري بالنسبة للفرد والجماعة.

ولذا فأنت إن أردت رسم منهجية في القراءة فعليك أولًا بما يمكن تسميته بالقراءة الأفقية، والتي ستمكنك من الاطلاع العام على مجالات المعرفة عامة، بحيث تقرأ في هذا المجال وذاك وهكذا حتى تجد نفسك ميالًا إلى مجال معين؛ فتركز قراءتك فيه، باديًا برسم قراءة منهجية عمودية مركزة ومكثفة، ستقودك حتمًا لأن تكون متمكنًا في مجالك، ومؤثرًا فيمن حولك، وذلك حين تجمع بين القول والعمل، وبين الفكرة والتنفيذ، وبين المعرفة والنقل غير مكتفٍ بنقل معلومة من هنا، وأخرى من هناك، تُضِيع فيها وقتك وجهدك، وربما لحق بك بعض برحائها؛ فتكون كحاطب الليل!

قال سليمان بن موسى «الذي يأخذ كل ما سمع ذاك حاطب ليل».