تقول معظم التقارير والدراسات العالمية في أميركا وقد نُشر هنا في صحيفة «الوطن» بعضها، يعود عدد منها إلى مركز بيو للأبحاث، أن نسبة الأميركيين «وهم مقياس لعدد المستهلكين الأكثر لأخبار مواقع التواصل الاجتماعي في العالم» تسجل نموا سريعا جدا في الأعوام الأخيرة وخاصة في 2016، حيث سجلت المؤشرات بحسب «بيو» أن 62% من الأميركيين يهتمون بالأخبار التي ترد عبر وسائل التواصل الاجتماعي. لكن على الجانب الإعلامي المهني في مؤسسات النشر والأكاديميات التعليمية فإن الأمر مختلف تماما، إذ يرى المنتمون إلى هذه المؤسسات أن مواقع التواصل الاجتماعي على الإنترنت أشبه ما تكون بمدينة فاسدة، أو بتشبيه أقرب بحسب تعبيراتهم منطقة آسنة لخطابات العنصرية والكراهية والأخبار الملفقة والانتهازية، وغيرها من الأمور التي تفتقر إلى الأخلاقيات الإنسانية.

وأجد نفسي متضامنا مع النظرة الأخيرة لمؤسسات النشر التقليدية على الرغم من ميولي إلى التجديد والتطوير – ولكن ليس على حساب الحقيقة-، لأننا نواجه اليوم عبر الأجهزة الرقمية وشبكات التواصل الاجتماعي قدرا كبيرا من المعلومات التي يعجز حتى أكثر المستهلكين حذقا ووعيا عن تقييمها جميعا أخلاقيا وعلميا، وكذلك الكم الهائل من الخطابات المشينة واللا أخلاقية، إما على شكل مواد تحريرية مكتوبة بركاكة بالغة في الغالب (وهو ما يدل على مستوى مطلقها) أو على شكل مواد ميديوية (صور – فيديو – منحوتات – رسومات... إلخ). ولكن على الرغم من كل ذلك فالمستقبل ليس بالضرورة أن يكون مدينة فاسدة كما يراه عدد من الإعلاميين في العالم.

دعونا نقوم بحصر عدد من التصنيفات التي يندرج تحتها هذا الخطاب الركيك والمتهالك لجانب من ثقافة البشر بشكل خاطف في هذه المقالة، إذ وبتتبع سريع على كثير من العتبات الرقمية سنجد أن معظمها في الواقع يقوم على القصص المخادعة، والدعاية الزائفة، وكل ما يندرج تحت وصف – الأخبار الكاذبة. وفي مواقع التواصل المفتوحة مثل فيسبوك وتويترـ وبرامج واتساب وتليجرام وإنستجرام وسناب شات وإيمو، تقترب احتمالات العثور على الخطابات الوقحة بنسبة 100% وتبدو القصة أكثر وضوحا، بينما تضيق المساحة كلما اتجهت لمواقع أقل شهرة والأقل في عدد المتابعين مثل (لنكدن - وريديت –الذي يعتبر في أميركا أحد أهم مواقع التواصل)، على الرغم من وجود الخطاب ولكن بنسب أقل.

وهذا يعطينا مؤشرا لرؤية الوجه الكامل للخطاب الاجتماعي ومقياسا لمستوى الوعي والإيمان بمبادئ أخلاقيات التعايش والتسامح وقبول الآخر، وتحديد ولو بصورة أين وصلنا وكم تبقى من الطريق لنقطعه.

ولنأخذ مثلا، مواقع الإنترنت المفتوحة تمنح خيارات الاستطلاعات العشوائية للمستخدمين لعرض قضية ما في محيط الأصدقاء والمتابعين على الشبكة، هذه الخاصية تستخدم في كثير من الأحيان بغرض الإساءة للآخر أو للسيطرة على الرأي العام في قضية ما، وليس بغرض تكوين فكرة ما عن أمر ما لاستثماره في دراسة أو بحث يمكن له أن يقدم شيئا إيجابيا، ويمكن عبرها إيصال فكرة خاطئة لمعلومة مغلوطة.

في الواقع ليست كل هذه التحركات بريئة في مجملها، والتي تبدو فردية في شكلها الأولي، إذ وهو شبه المؤكد أن طابورا من المستخدمين الموجهين الخاصين بالمواقع ذاتها يقفون خلفها، تحت ضغط الحاجة إلى مواصلة الحفاظ على مركز تصنيفي معين للصفحة الـ(PageRank) العالمي، والتي (تعرف عن طريق حساب الرقم وجودة الوصلات للصفحة لتحديد تقدير تقريبي لأهمية الموقع الإلكتروني، حيث تزداد أهمية الموقع الإلكتروني بناء على استقباله واتصاله بوصلات أكثر من المواقع الإلكترونية الأخرى). وهذا الخاصية مهمة جدا لمواصلة المواقع الحصول على تدفق دائم لمدخولات إعلانية مجزية، في مستويات تضمن لها البقاء في المنافسة، ومن أجل ذلك حتما ستفعل أي شيء.

لقد أصبح جزء مهم من هذا العالم ومستقبله مخيفا على نحو ما، يتحكم فيه أصحاب المصالح بذكاء وانتهازية كان من المفترض توجيههما لخدمة البشرية لا للاستئثار بمقدراتها.