يوشك العام الدراسي الحالي أن يطوي صفحاته، ولكن قبل أن ينتهي بدأ الأهالي -ممن يدرّسون أولادهم في مدارس خاصة- في القلق بشأن العام القادم.

هل أُبقي «ابني/ ابنتي» في هذه المدرسة، أم نتجه إلى مدرسة أخرى؟ هل ستزداد الرسوم الدراسية العام القادم -كالعادة- وتحت حجج واهية؟ هل ستكون هناك أعباء مالية إضافية تحت بنود مختلفة مثل «وسائل أو أدوات تعليمية»؟ هل ما أدفعه من مبالغ مادية يتناسب مع الخدمة المقدمة؟

يطمح كل أب وأم إلى أن يتلقى أولادهما أفضل تعليم ممكن، ولو كان ذلك على حساب بعض الكماليات الأخرى.

ويبرز ذلك خاصة عند أبناء الطبقة المتوسطة والمتوسطة العليا، ممن يدركون أنه لا سبيل لبناء مستقبل يؤمّن حياة كريمة لأبنائهم إلا عبر التعليم.

وهم إذ يصرفون كل ريال على تدريس أولادهم من الحضانة وحتى نهاية المرحلة الثانوية، يطمحون إلى أن ينتهي الحال بهؤلاء الأبناء في الكليات التي يتنافس عليها الغالبية، والتي من المتعارف عليه اجتماعيا أنها ستوفر مهنا جيدة برواتب مجزية.

وبعض الآباء يطمح أيضا إلى أن يكمل أولادهم دراستهم في الخارج، وأن يجدوا قبولا في الجامعات العالمية بسهولة، وألا يحتاجوا حتى إلى سنة لاجتياز امتحان اللغة، ولعل هذا من أسباب حرصهم على تعليم أولادهم باللغة الإنجليزية، رغم ما لذلك من سلبيات أخرى كالتأثير على اللغة العربية، وهي اللغة الأم، ورغم ما يتكبدون في سبيل ذلك من مبالغ باهظة.

وإضافة إلى التحصيل العلمي العالي والإلمام الجيد -إن لم يكن إتقان- اللغات الأجنبية، يرغبون في أن يدرس أطفالهم في مبان نظيفة ومحفزة للتعلم، ويجلسون في فصول واسعة مريحة، وأن يتم التعامل معهم ومع أبنائهم بشكل لائق، وبمراعاة فروقاتهم الفردية، كما أن يكونوا في بيئة خالية من التحرش والتنمر والأخلاق المتدينة، وهي أمور يشتكي بعضهم من صعوبة توافرها في كل المدارس الحكومية التي لها تحدياتها الخاصة.

المشكلة أنك حين تتحدث مع كثير من الآباء والأمهات تجد الغالبية غير راضية عن المستوى العلمي، ولا عن الخدمة المقدمة، فضلا عن الشكاوى من ارتفاع الأسعار.

ولكنهم يؤكدون أنهم مستعدون لتقبل هذه التكلفة لو كانت ملائمة للخدمة وللمخرجات. وبسبب حالة عدم الرضا هذه، بتنا نشاهد كثرة تنقلات للطلبة من مدرسة إلى أخرى، فتجد الطالب قد مر خلال سنوات دراسته الـ12، بـ6 أو 7 مدارس بدلا من 3 كما هو متوقع. ولا شك أن لهذه التنقلات تأثير سلبي على الطالب، إذ عليه أن يتكيف كل عام أو عامين مع بيئة مختلفة، وأن ينشئ صداقات جديدة.

ولكن الأهالي يصرون على أنه لا بد من تحمل هذه العوارض الجانبية للانتقال، لأنهم لن يواصلوا إهدار أموالهم بينما لا يجدون ما يطمحون إليه، وما سجلوه في المدرسة لأجله.

أعرف أُسرا أجبرتهم ظروفهم أو خيبة أملهم الكبيرة في المدارس الخاصة، إلى نقل أبنائهم إلى المدارس الحكومية «النموذجية»، ولم تكن لديهم توقعات كبيرة من المدرسة، لأنها في الأخير مجانية. لكنهم فوجئوا! ليس فقط الآباء ولكن حتى الطلبة أنفسهم بالمستوى الراقي والخدمة المميزة اللذين قدمتهما لهم هذه المدارس «المجانية»!، والتي تدار باقتدار، ويقوم بالتدريس فيها معلمون سعوديون، لهم باع طويل في التعليم، ويشرف عليها إداريون يتواصلون بشكل فعّال مع أولياء الأمور، ويحقق طلابها مراكز متقدمة في المسابقات المحلية والدولية، ويحصدون التكريم والجوائز.

وباتوا يندمون على كل ريال صُرف على التعليم الخاص الذي لم يؤت ثماره، ويتمنون لو تصبح كل مدارسنا الحكومية «بنين وبنات» من رياض الأطفال وحتى الثانوية، مدارس نموذجية، بحيث يستغنى معظم الناس من ذوي الدخل المتوسط وما دونه عن المدارس الخاصة وجشع بعض ملاكها، وتنمر بعض إداراتها، التي تعتقد أن كل الطلبة تصرف عليهم شركات خاصة، وتدفع الرسوم نيابة عن أهاليهم.

ولكن إلى أن يحصل ذلك، سيواصل الأهالي البحث عن بديل خاص يوفر لهم ما يريدونه من تعليم لأولادهم.

والسؤال هنا: كيف يمكن للدولة -ممثلة في وزارة التعليم- أن تدعمهم في رحلة البحث عن المدرسة المناسبة لهم؟

هل هناك جهة مستقلة؟ كما هو الحال في بعض الدول المتقدمة كبريطانيا، تقوم بتصنيف المدارس وتقيمها من كل الجوانب، بحيث يكون ولي الأمر على اطّلاع ومعرفة قبل التسجيل فيها؟ هل من إحصاءات حكومية يمكن الاعتماد عليها بخصوص أداء المدارس، سواء الحكومية أو الأهلية؟ هل يمكن أن يكون هناك إلزام للمدارس الخاصة بأن تنشر تقارير سنوية -دون أسماء بالطبع- عن أداء طلابها خلال العام؟ وعن حركة النقل منها وإليها؟ ألا يمكن معرفة مخرجات المدارس الثانوية تحديدا، بحيث يدرك ولي الأمر سلفا، إلى أين انتهى الحال بطلابها السابقين؟

وجدتُ مدرسة عريقة في جدة تقوم بذلك فعلا، إذ يمكنك أن تتبع مسيرة طلابها بشكل فردي خلال الـ40 سنة الماضية، وتعرف بأي جامعة التحقوا، وما آخر وظيفة يشغلونها؟ وقد يكون تحقيق ذلك صعبا على المدارس كثيرة العدد، كما أنه يتطلب متابعة دورية دقيقة، فالناس تغيّر وظائفها باستمرار، لكن يمكن على الأقل الاكتفاء بمعرفة النسب المئوية لتوجهات طلابها في المرحلة الجامعية.

صحيح أن هناك فروقات فردية بين الطلبة، وأن هناك من يتوافر له كل شيء ويفشل، ومن لا يتوفر له أي شيء وينجح، لكن تظل هذه حالات فردية استثنائية، والغالبية ستتأثر سلبا أو إيجابا بالتعليم الذي تلقته.

في الوقت الحالي، لا يجد الأهالي سوى وسائل التواصل الاجتماعي ومجموعات «فيسبوك» والمنتديات وتقييمات جوجل ورسائل «واتساب» لسؤال المجربين عن مدى جودة المدرسة وتعليمها. وفي الغالب يحصل المرء على معلومات مختلفة وناقصة ومتناقضة في أحيان كثيرة، لأن كل شخص له أولوياته الخاصة.

التجربة الشخصية من مجربة مفيد للاستئناس بها قبل أخذ القرار، لكن الحقائق من بيانات ومعلومات إحصاءات وتقييمات موثوقة من جهة معتبرة، لا شك سيكون أكثر فائدة وأعم نفعا، وأدعى إلى أن يحفظ وقت وجهود الأهالي، ويخرجهم من الحلقة المفرغة واللامنتهية من الحيرة والتخبط.