يتضمن مشروع تطوير التعليم العديد من المسارات التي تشكل في مجملها منظومة متكاملة للعملية التعليمية، والتي لا يمكن أن نحصد ثمار تطويرها بالشكل المطلوب إلا من خلال احتواء جميع تلك المسارات تحت مظلة التطوير المستهدف، وتشمل تلك المسارات العديد من المحاور الرئيسة التي ترتبط بالعملية التعليمية بصورة أو بأخرى؛ أما المسارات فمنها ما هو متصل بالعملية التعليمية ذاتها في إطارها المدرسي بجميع مكوناته المادية والبشرية، ومنها ما هو متصل بالنظام المؤسسي والهيكل الإداري الذي يقوم بالإشراف على التعليم ويتحمل مسؤولية متابعته ومستوى جودته؛ وبما يسعى إليه من خطط تطويرية وبرامج تربوية مدروسة؛ وما يتخذه من سياسات وإجراءات تستهدف تحقيق تلك الخطط التطويرية وبما تتضمنه من أهداف مختلفة.

 وترتبط المحاور بتلك المسارات الرئيسة كل في مجاله الخاص به، فبعضها ما هو متصل بالهيكل المؤسسي لوزارة التعليم، والبعض الآخر يرتبط بالإطار المدرسي بجميع مكوناته، وحيث إن المجال لا يتسع لمناقشة كافة مكونات المنظومة التعليمية بمساراتها ومحاورها المختلفة، فإن مسار الإطار المدرسي هو المستهدف والذي يتضمن في محاوره البيئة التعليمية، والمناهج، والمقررات التي يدرسها الطلاب، وطرق التدريس التي ينتهجها المعلمون، ومستوى تمكُن المدرسين مما تتضمنه المقررات من معارف وعلوم مختلفة، هذا بالإضافة إلى مستوى وواقع الإدارة المدرسية التي تقوم بالإشراف على العملية التعليمية داخل إطار المدرسة.

 وبالإشارة إلى ما تم نشره إعلامياً حول عزم وزارة التعليم طرح 400 برنامج تدريبي متنوع للمعلمين والمعلمات، تستهدف به كافة التخصصات خلال إجازة الصيف، والذي سيتم دعمه بحوافز مختلفة، وذلك كاستثمار للوقت في التطوير المهني للمعلمين خلال إجازة الصيف الطويلة التي يتمتعون بها، والتي «لا بد وأن تشغل ببرامج تدريبية اختيارية تُنفذ خلالها العديد من الورش التدريبية لتسهم في تطوير المعلم وطرق التدريس قبل بدء العام الدراسي المقبل»، كما أشارت الجهات المسؤولة في الوزارة.

 فإنه ومما لا شك فيه أن طرح ذلك البرنامج التطويري من وزارة التعليم لمحوري تطوير المعلم وطرق التدريس، يستحق الإشادة والتقدير لجهودها نحو الاستفادة من الإجازة الطويلة للمعلمين، للمضي قدماً في تنفيذ الخطط التعليمية التي تستهدف تطوير التعليم، ومنها أداء المعلمين والمعلمات والارتقاء بطرق تدريسهم وتمكينهم وذلك خلال وقت الصيف الطويل، ودون أن يكون ذلك على حساب أوقات التدريس خلال الفصل الدراسي، إذ يضطر بعض المعلمين والمعلمات الذين يتم تدريبهم إلى ترك طلابهم أياما ليست بالقليلة دون حصص دراسية، وتعتبر تلك البرامج التطويرية حلقة من الحلقات الهامة لتطوير التعليم وتحسين جودة مخرجاته.

 وإن مواجهة التصريحات المنسوبة للتعليم حول طول الإجازة الصيفية للمعلمين؛ بالتذمر والانتقاد المختلف في مقاصده، أمر غير مقبول إطلاقاً وغير مسؤول، بل ويتناقض مع ما ننادي به جميعنا وما نسعى إليه من أهمية تطوير التعليم وتحسين جودته، كما إنه لا يخدم تحقيق برنامج التحول الوطني 2020 ورؤيته ومستهدفاته جميعها، والذي يمثل التعليم فيها محوره وأداته الأساسية، فذلك أصبح متطلبا يجب العمل عليه بمثابرة وجهود متواصلة تسابق الزمن في برامجها وجهودها، والذي يقتضي أن نعمل عليه جميعنا كمجتمع واعٍ يتطلع نحو الأفضل لأبنائه ووطنه، وإن ما كنا عليه سابقاً لا يعني أن ذلك هو الكمال والصحيح، بل وإن استدراكنا لبعض السياسات أو الإجراءات في محاولة لتعديلها وتصحيحها ليس بالخطأ، وإنما هو الصواب، ولنستفيد بذلك من تجارب الآخرين الناجحة والمتميزة في التعليم ونحوه.

 أما التساؤل المطروح لهؤلاء المعارضين من المعلمين بشكل خاص ومن يدعمهم، إلى متى نتطلع إلى تطوير الأداء المهني للغالب منكم ولا نجده؟! إلى متى نستمر في تلك الإجازات الطويلة المهدرة دون فائدة أو مردود إيجابي ينعكس على التعليم؟! كم منكم استثمر في إجازته الصيفية السابقة جزءا من الوقت لتحسين مستوى أدائه؟! وكم من الدورات وورش العمل التي حاولتم الحصول عليها والاستفادة منها؟! وإذا كنتم تعتقدون أن ذلك ليس من مسؤوليتكم الخاصة بتطوير أنفسكم، وإن ذلك مسؤولية الدولة أو المؤسسة التربوية والمدرسة التي تنتسبون إليها، إذن فما الخطأ أو الإشكالية في أن يُقتطع جزء من إجازتكم الطويلة لرفع مستوى تأهيلكم ومهاراتكم وجودة عطائكم؟ وهل يمكنكم خلال الفصل الدراسي الانتهاء من الدوام المدرسي للبدء في دورات مسائية للتطوير المهني؟! وهل تعلمون أن كثيرا من دول العالم المتقدم لا يأخذ معلموها إجازات كالطلاب ذاتهم، وإنما يستمر دوامهم لفترة بعد نهاية العام الدراسي؛ لمناقشة وتقويم العملية الدراسية، ومعالجة التحديات التي تواجههم، وتبادل الرؤى والتجارب بين بعضهم البعض لتبادل الفائدة فيما يتعلق بالمقررات المشتركة والعامة، بل وإن بعض المدارس المتميزة لا يخرج معلموها يومياً حتى يقدموا تقريراً عن حالة كل طالب قاموا بتدريسه.

 الواقع هناك الكثير من التساؤلات التي يمكن طرحها حول ذلك، ولذلك كان لزاماً على الوزارة ومطلباً طرح برامج تطويرية للمعلمين خلال إجازة الصيف الطويلة، بل ويجب اعتبار شهر منها استكمالا للعام الدراسي والذي يبدأ بعد انتهاء الاختبارات وظهور النتائج، كما يجب أن تكون المشاركة في تلك الدورات التدريبية وورش العمل إجبارية وليست اختيارية، لأن ذلك أصبح جزءا أساسيا من متطلبات المهنة وضرورة ملحة لجودة العطاء، أما الحوافز فتكون واردة لكل من يهتم بحضور تلك الدورات ويتميز في أدائه المهني، مستفيداً من تلك الدورات وورش العمل، بحيث تترجم إلى تطبيق فعلي في الفصول الدراسية، وبذلك يمكننا تطوير أداء المعلمين والمعلمات وتحسين جودة مخرجاتنا التعليمية فيما يتعلق بذلك الجانب من المسار الخاص بالإطار المدرسي.

 ولكن مما يجدر التنويه إليه أن طرح 400 برنامج تدريبي تطويري خلال فصل الصيف، يعتبر عددا كبيرا جداً، والذي من شأنه أن يقلل كثيرا من جدوى تلك البرامج وجودتها المأمولة، لأن العبرة ليست بعدد البرامج وإنما بنوعيتها وتركيزها ومستوى جودتها، وذلك يتطلب تخصيص فترات زمنية مناسبة لكل دورة بما لا يقل عن أسبوع لكل منها، بحيث تتحقق الفائدة منها، وأن يستهدف مضمون تلك البرامج ما وضعت له فعلياً من أهداف ونتائج متوقعة، بحيث يخضع المستفيدون منها للتقويم الميداني الفعلي، وعليه يتم منح شهادة الحصول على تلك الدورات.

لا ننكر أن تحصيل أفضل النتائج لتطوير العملية التعليمية يتطلب تطوير جميع مساراتها وبما تتضمنه من محاور مختلفة، ولكن ذلك لا يمنع من تحفيز وتشجيع كل ما يتعلق بتطوير التعليم من جهود وبرامج، ومن الممكن لوزارة التعليم أن تضع خطة متكاملة للتطوير، بحيث تشمل جميع مسارات التعليم ويتم تحقيقها في فترة متزامنة مع بعضها البعض، لأن كل مسار من مسارات تطوير التعليم يختلف عن الآخر في مكونه البشري المطلوب ووسائله وأدواته المطلوبة، وليس هناك تعارض بينهم، ولذلك يمكن تصنيف ذلك البرنامج التطويري الذي طرحته الوزارة ليشمل كافة مجالات العملية التعليمية في إطارها المدرسي والمؤسسي، وبذلك نحقق أفضل النتائج لأن عدم تطوير المحاور الأخرى المتصلة بالعملية التعليمية في كافة المسارات سيعيق أداء ما تم تطويره ويعطل الاستفادة من جودته، كأن يتم على سبيل المثال تطوير طرق تدريس المعلمين وتأهيل مهاراتهم، في حين لا تتوفر بيئة تعليمية محفزة أو وسائل تعليمية تمكن المعلم من تطبيق ما تعلمه من مهارات وتطوير أدائه، كما إن عدم وجود إدارة مدرسية فاعلة يقف حجر عثرة أمام تحقيق ما تم إنجازه من تطوير للمعلم، وعليه فإننا ما زلنا كمواطنين نتطلع إلى تطوير شامل للعملية التعليمية يحوي تحت مظلته كافة منظومة التعليم، وبما ينعكس على جودة نوعية لمخرجاته ننافس بها الأمم.