إن المتابع للانتخابات النيابية اللبنانية يرى بوضوح كيف سيطر حزب الله وحلفائه على أغلبية مقاعد المجلس النيابي، وكل هذا بسبب الأحزاب والتيارات السيادية التي قبلت بقانون انتخاب جاء مفصلاً على قياس الحزب الإرهابي، وتخلت عن مشروعها وأهدافها وتطلعات جماهيرها تحت عناوين مطاطة، كالوحدة الوطنية والعيش المشترك وإمكانية إجراء انتخابات نيابية ومنع التمديد، فجاءت النتائج كما يشتهي حزب الله وحلفائه وخرج منتصراً بينما هم لم يستفيقوا بعد من هول الصدمة.

لقد بدأت أمس أولى إشارات انتصار حزب إيران الإرهابي الذي خرج أنصاره في شوارع بيروت يمزقون صور سعد الحريري ويعتدون على تمثال رفيق الحريري ويهتفون «بيروت صارت شيعية»، وكأنهم يعتقدون أن مدينة بقداسة بيروت ستقبل أن ترتدي ثوب العار الطائفي.

بيروت التي فتحت أبوابها للنازحين اللاجئين والهاربين من الإسرائيلي تاركين الجنوب اللبناني لقمة سائغة لقواته بعد أن فروا إلى العاصمة واستحلوا أحياءها وتجمعوا فيها، وبعد أن أطعمتهم من خيراتها تنكروا لها، واعتدوا على أهلها وعلى سكانها وعلى أحيائها ورموزها، والشهداء وهو بالمناسبة ليس بالأمر المستغرب من أهل الشقاق والنفاق وسيئ الأخلاق، فهم من مئات السنين عُرفوا بهذه الطباع لا يحفظون عهدا ولا يحترمون أو يقدرون من قدم لهم في يوم من الأيام مساعدة أو مأوى، وخير دليل ما فعلوه بالشعب السوري الذي فتح لهم بيوته في 2006 فعادوا في 2011 ليقتلوه ويشردوه ويظلموه.

نعم، هؤلاء الذين حققوا أفضل النتائج في انتخابات العار اللبنانية، فكانت إنجازاً أخيراً يقدمه التيار السيادي لإيران ومحورها وميليشياتها ضارباً بعرض الحائط كل التضحيات التي قدمها شهداء لبنان منذ عام 2005 وحتى الساعة فذهب من ذهب وبقي من بقي، وحقق حزب الله حلمه ونشر إرهابييه في بيروت بالزي المدني يهتفون ضد أهلها ويعلنونها مدينة شيعية تضاف إلى مجموع المدن التي يطمح نظام ولاية الفقيه بالسيطرة عليها.

لقد كانت نسبة الانتخابات متدنية جداً في العاصمة وباقي المحافظات، وذلك نتيجة الغضب الشديد من سياسات بعض الأحزاب السيادية التي انقلبت على نفسها، وعلى جمهورها وذهبت إلى خيارات وتعاهدات واتفاقات لم ترض شريحة كبيرة من اللبنانيين، الذين رفضوا وصول ميشال عون للرئاسة والجلوس مع حزب الله على طاولة واحدة في الحكومة، قبل انسحابه من سورية والتفاوض على إستراتيجية دفاعية، وإخلاء بيروت من السلاح والتوقف عن التطاول على دول عربية حليفة للبنان، نعم لقد حاسب أهل بيروت من قصر بحق أبنائها وشعوب المنطقة والحلفاء وسمح لحزب مارق إرهابي كحزب الله بأن يقتل ويهدد السوريين والسعوديين والبحرينيين دون حساب.

اليوم انظر إلى بيروت الحزينة، وأنا على يقين أنها بشكل أو بآخر سقطت في مستنقع حزب الله، وأصبحت قاب قوسين أو أدنى من الانفجار بوجه هذا الحزب ورفض سلطته عليها، وتحرير نفسها من هذا الاحتلال الذي لا يقل عن احتلال إسرائيل لأي مدينة عربية، بل إن احتلال حزب الله لهذه المدينة أو تلك هو أشد خطراً علينا من احتلال إسرائيل لأي مدينة.

لتكن هذه الانتخابات درساً لمن تخلى عن المبادئ الأساسية «سيادة حرية واستقلال» وليعرفوا جيداً أن من تخلى عن حقوقه ودماء شهدائه تخلى عنه الجميع وتُرِك وحيداً يواجه مصيراً أسود بعد أن تلقى ضربتين، الأولى بنسبة التصويت المنخفض جداً، وثانياً بنتيجة الانتخابات التي أفرزت أرقاماً لم يكن ليتوقعها أحد بمن فيهم حزب الله الإرهابي نفسه، وأن من يراقب ما حصل قبل وخلال الانتخابات سيدرك جيداً أن هذا القانون أعاد تقسيم بيروت حيث تتنافس فيها الطوائف على مقاعد نيابية من المفروض أنها لخدمة هذه الطوائف وأبنائها، ولكن كما يقال بالعامية «المكتوب مبين من عنوانه»، ويبدو أن مكتوب بيروت ولبنان الأخضر تحول إلى الأصفر والبرتقالي، وأصبح بفضل من تنازلوا للحزب وحليفه ميشال عون جمهورية محتلة من قبل إيران ومحورها وميليشياتها، ولم يعد بالإمكان اليوم العودة بعقارب الساعة إلى الوراء، وهو ما يستلزم تفكيراً جدياً بحصار حزب الله وحلفائه ومنعهم من تشكيل حكومة تعلن لبنان دولة تابعة لولاية الفقيه بقيادة المرشد الأعلى في لبنان حسن نصر الشيطان!

في النهاية أضع اللوم على أحزاب قبلت بقانون الانتخاب الحالي وقصرت مع جمهورها وتنازلت لحزب الله وميشال عون، فجاءها الرد بمقاطعتها بالانتخابات ومحاسبتها والقول لها بوضوح، انتخبكم أقل من النصف فلا تفرحوا بمقاعد نيابية حققتموها كنا قادرين على منحكم أكثر منها، ولكن صداقاتكم الجديدة مع خصوم الأمس لم تسمح لنا بأن نغفر لكم ونعطيكم أصواتنا.