مشكلة «التعليم» لدينا في قياداته، ابتداء من المؤسسة الحكومية الحاضنة لشؤون التعليم «الوزارة» ومرورا بإدارات التعليم ومكاتب الإشراف وحتى الميدان الفعلي للتعلم: «المدرسة».

وإذ قاربت في نثاري السابق القيادات التعليمية العليا «في وزارة التعليم» فإني سأقارب في هذا النثار القيادة المدرسية «باعتبار زخم اللحظة التعليمية داخل المدارس الآن بسبب الاختبارات النهائية وتداعياتها المتنوعة».

لا تزال القيادة التربوية المدرسية في مدارسنا -حقا- تعاني من مظاهر قصور متعددة تشمل الرؤى الذهنية والتطبيقات الفعلية لدى أطياف كثيرة من هؤلاء القادة، وهم من يتكفل بصياغة الأهداف والغايات التعليمية والتربوية، والتي يتحدد على إثرها معالم طرق العمل في الميدان الحقيقي! ولعلي أقتنص في هذه المقاربة بعضا من المظاهر والمشاهد المتعلقة بهؤلاء المضطلعين بإدارة مؤسسات التعليم في الواقع المعاش!



 «1»

 تفصح رؤية القائد التربوي داخل المدرسة لأهداف وإنجازات التعلم والتعليم عن مقدار الكفاءة الإدارية والتربوية لهذا القائد أو ذاك.

فثمة قادة لمدارسنا يرون أن رعاية الطلاب ذوي المواهب والمهارات المبدعة وربط مشاركاتهم بالمؤسسات العلمية والأكاديمية والثقافية إنجاز يستحق الجهد وصياغة الخطط والإستراتيجيات، وثمة قادة آخرون يرون أن زراعة حوضين بالنباتات والأزهار في مدخل المدرسة إنجاز يستحق الجهد ذاته والخطط والإستراتيجيات ذاتها! وفي اللحظة ذاتها نجد أن هناك قادة لمدارسنا يرون أن دعم عمليات التعليم الفعلي وتحسين وتطوير بيئة التعلم داخل الفصول الدراسية إنجاز يستحق أن يسجل في أول قائمة الأهداف العملية لتحقيقه، «ولعل أهمها أن يجد الطالب طاولة تعلم بشرية لائقة يضع عليها كتبه الثمينة، وهواء نقي معتدل البرودة يصافح جسده المنهك من ضيق المساحة الممكنة لحركته»، وفي الجانب المقابل نجد قادة تربويين يرون أن جعل غرفة لائقة في مدخل المدرسة لاستقبال الزائرين إنجاز تعليمي تربوي حقيقي يحتاج للكثير من الخطط والاجتماعات وتشكيل فرق عمل صباحية ومسائية للاضطلاع بتلك الغرفة/ الحلم!!

 وبالتأكيد فإن الذي يتحكم في تلك النظرة لمفهوم «الإنجاز» هي الذهنية التي تمتلك أو تفتقر للوعي الصحيح بغايات التعليم وأهداف البيئة المدرسية وطبيعة مفهوم «الإنجاز» وشروطه الإبداعية الممكنة، والقدرة الثقافية المعرفية التي توجه القائد لأفكار صحيحة منتجة تفضي لأعمال تأتي دائما لصالح جميع عناصر العملية التعليمية داخل المدرسة من طلاب ومعلمين «بالدرجة الأولى.. بداية»!



«2»

 المدارس تحتاج حقا لقادة «متزنين» في انفعالاتهم وأمزجتهم، بحيث يحقق ذلك التوازن النفسي أمرين، أولهما: تقويم العاملين وفق أسس موضوعية ومنهجية علمية، وثانيهما: تحقيق عنصر المصداقية للقائد في نظر العاملين معه داخل المكون التعليمي، بحيث لا يأتيهم خطابا منه في أول ساعات اليوم الدراسي، يندد فيه بقصور أدائهم ويهددهم من خلاله بالعقاب والحسم، وفي منتصف ساعات اليوم الدراسي يتحول ذلك الخطاب المتشنج بقدرة «المزاج» فيشكرهم في الخطاب الجديد على جهودهم الخارقة وأعمالهم المتقنة!! ليجول وقتها في ذهن منسوبي ومعلمي المدرسة الكثير من علامات الدهشة والعجب والأسئلة المحرجة «فما الذي فعلوه في ساعتين أو ثلاثة ليتحولوا من مقصرين يستحقون التنديد والعقاب، إلى عاملين مجدين مبدعين يستحقون الإشادة والتقدير والتكريم..»!؟! هنا لا يتعلق الأمر بشيء سوى «المصداقية» الغائبة على الشرفات النائمة!



 «3»

 بعض القادة التربويين يظنون أن أهم وأخطر وأكثر مهماتهم حسما وتأثيرا: مراقبة ورصد «سجل» الحضور والتأخر والغياب، فتجد هؤلاء القادة في شغل شاغل أمام ذلك «السجل» مهدرين أثمن الأوقات في تدوين الملاحظات والخطوط الملونة داخل أوراقه «الضعيفة»، مع أن تلك المراقبة يمكن أن يتكفل بها أصغر «الموظفين» الإداريين داخل المدرسة، فيترك للقائد الفرصة -آنئذ- للقيام بالكثير من الأعمال كمعالجة القصور في ذلك «السجل» -مثلا- إضافة إلى صياغة إستراتيجيات صناعة العلاقة مع المؤسسات التعليمية والإعلامية والثقافية الممكنة داخل «المدينة»، مما يجعل المدرسة في سياق متصل ومتواصل مع سياق تلك المؤسسات، ودعم عمليات الملاحظة الصفية وتوظيفها لتقويم أداء المعلم من الناحيتين العلمية والتقنية، واستثمار قدرات كل معلم لبناء مكون تعليمي كلي قائم على أسس متينة، حتى يكفل هذا المكون -وحده- بـ«رفع» المستوى العلمي والتعليمي الحقيقي للمدرسة في المشهد العام.



«4»

 لا يمكن لتعليمنا أن ينهض بقادة تربويين يفتقرون لأهم شروط ومبررات تلك «القيادة».. قيادة الفعل الحضاري للبلاد من خلال أول «إمكانات» هذه الحضارة المنتظرة على أبواب الوطن العظيم.