يعدّ المعلم والمعلمة الثروة الحقيقية والمحور الأساسي للإنتاج في أي منظومة تعليمية، فكل الوسائل والتجهيزات الحديثة -مهما بلغت درجة تطورها وأهميتها- ستبقى أقل أهمية من العنصر البشري. فإذا كان العنصر البشري -وهو المعلم- على هذه الدرجة الكبيرة من الأهمية، فإن الإدارة الناجحة يجب أن تسعى إلى أن يكون الفرد راضيا عن عمله، لا سيما أن المعلم يقضي جزءا كبير من حياته داخل أسوار المدرسة وبين الطلاب.

رضا المعلم عن عمله يزيد من ولائه، ويؤثر على مدى كفاءته وإنتاجيته في العمل، ويزداد جهد المعلم وولاؤه بشكل طردي، مع زيادة ما توفره له الوظيفة من إشباع لحاجاته ودوافعه، واستغلال لقدراته.

وولاء الأفراد لمنظماتهم أمر شاق لا يتوفر إلا بعد سلسلة طويلة من الإجراءات، تتحمل فيه المنظمات جهودا كبيرة وتكاليف باهظة للوصول إلى المستوى المنشود من الولاء للوظيفة والمنظمة، ويتطلب ذلك نظما وإجراءات قد تطول أو تقصر.

لذا، كان التحدي الحقيقي أمام مسؤولي المنظمات، هو خلق بيئة عمل جاذبة لتعميق الولاء الوظيفي عند الموظفين.

وبما أن المعلمين هم محور الحديث اليوم، وهم حجر الأساس ورأس المال الحقيقي في المنظومة التعليمية، فإن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن: ماذا قدمت وزارة التعليم للمعلمين في سبيل تحفيز ولائهم الوظيفي وبالتالي زيادة إنتاجيتهم؟ وهل وزارة التعليم بذلت ما يكفي حتى يصل المعلمون والمعلمات إلى مستوى الرضا الوظيفي الذي سيجعلهم يؤمنون إيمانا قويا بأهداف وقيم وزارة التعليم في تحقيق الفعالية والإنتاجية التي ستصل بجودة التعليم إلى أعلى المستويات؟ بطبيعة الحال، الإجابة عن هذه الأسئلة هي: لا.

فالمعلم، حتى يومنا هذا، لا يحصل على أبسط الحوافز الوظيفية التي تشجعه على الإبداع والتطوير، وإذا علمنا أن المعلم

لا يحصل على تأمين صحي من أي نوع، له ولأفراد أسرته، فإننا حينها سندرك العلة الرئيسية لحالة التذمر السائدة بين أفراد المعلمين.

فالمعلمون والمعلمات بشر يقدمون للمنظومة التعليمية في بلادنا خبراتهم وقدراتهم، ويبذلون في سبيلها جهودهم وطاقاتهم، ومن ثم فإن الاعتبارات الإنسانية قبل الاعتبارات الوظيفية تلزم وزارة التعليم أن توفر لمنسوبيها الرعاية الصحية اللازمة، وأن ترد لهم جزءا مما قدموه لها، وهذا الحق يعدّ من أبسط الحقوق الوظيفية في أي منظومة في أي بلد في العالم، والمعلم لا يزال حتى يومنا هذا يحرم من هذا الحق الطبيعي.

إن الأمراض والإصابات تحدث للناس بعشوائية تامة، محدثة مخاطر صحية يترتب عليها مخاطر مالية قد يعجز عنها المعلم، ويضطر لاستجداء الواسطة والعون، حتى يتمكن من العلاج في المستشفيات الحكومية، حتى المستشفيات الجامعية مع أنها تخدم منسوبي التعليم، لكن المعلم والمعلمة ليس لهما الحق في العلاج في هذه المنشآت الصحية.

إن صيانة وحماية صحة العاملين يعد أهم عوامل زيادة الإنتاجية وتنميتها، وهو حق مكتسب للمعلم وواجب أساسي على الوزارة، لتضمن لمنسوبيها خدمة طبية متكاملة دون أي إرهاق مالي لهم، وتساعد على إزالة العائق المالي الذي قد يحول بين المعلم وبين حصوله على الخدمات الصحية الأساسية، فالتأمين الصحي صار ضرورة قصوى، نظرا لارتفاع تكاليف العلاج في المنشآت الصحية الخاصة.

زيادة الضغط على المرافق الصحية العامة التي تقدم خدماتها بالمجان، فضلا عن صعوبة الحصول على موعد لزيارة الطبيب الاستشاري، وفي حال الحصول على الموعد فإن هذا الموعد لن يقل بطبيعة الحال عن فترة انتظار تراوح بين 6 و9 أشهر، وقد تصل إلى عام كامل. وفي حالات الولادة فإن المعلم مضطر أن يخاطب من يهمه الأمر، حتى يتوسط له لضمان سرير لزوجته عند اقتراب موعد الولادة.

كل هذه الظروف، قد تجبر المعلم على شراء راحة دماغه وتجعله يلجأ إلى المستشفيات الخاصة، والتكاليف لن تقل عن 7 آلاف ريال للولادة الطبيعية و20 ألف ريال للولادة القيصرية، أضف إليها تكاليف المتابعة والتحاليل والأشعة، وفي كلتا الحالتين فإن المعلم مضطر أن يقترض جزءا من تكاليف الولادة من أقاربه أو أصدقائه، حتى يستوفي كامل المبلغ المطلوب.

وضعت الوزارة برنامجا صحيا فريدا لمنسوبيها، أطلقت عليه مسمى «برنامج التأمين الصحي الاختياري»، وهو تأمين غير مجاني، بل يستقطع من رواتب المعلمين، وأطراف التأمين هم: طرف أول «المعلم»، وطرف ثان «شركة التأمين»، والوزارة ليست إلا وسيط أو سمسار في صفقة ليس عليه أي التزام بأي بند من بنود العقد، «ويا بخت من جمع رأسين بالحلال».

في أي منظمة يكون التأمين الصحي ميزة إضافية أو حافزا لتشجيع الموظف، ولكن في برنامج التأمين الصحي الاختياري، فلا أحد يعلم أين هو الحافز وأين هي الميزة؟

وبدلا من إيجاد طريقة بديلة لبرنامج الوزارة الصحي الذي لم يدم طويلا، انشغل مسؤولو التعليم بأمور هامشية، مثل ساعات النشاط والدورات التدريبية لتقليص إجازة المعلم السنوية.