تختلف الرؤى حول مدى جدوى وأهمية تحقيق الامتداد في التخصص العلمي لطلاب الدراسات العليا في نطاق التخصص الدقيق للبكالوريوس، أو في أحد تفرعاته، أو في نطاق تخصصي مختلف تماما عن مؤهله الأولي للدراسات العليا «البكالوريوس»، ولمّا كان الامتداد في التخصص العلمي في الدراسات العليا يُعد مطلباً أساسياً ضمن أحد متطلبات الابتعاث وشروطه المفروضة على راغبي الابتعاث بصفة عامة، فإن مناقشة جدواه من الأهمية بمكان، ونحن نعيش مرحلة تنموية انتقالية بجميع مكوناتها.

فعلى الرغم من أن الامتداد في التخصص العلمي يضيف لدارسه تمكُنا علميا وعُمقا معرفيا أكثر في مجاله العلمي والتخصصي، بما يتيح له إمكان الإبداع والابتكار والتميز في العطاء المعرفي، إلا أن التساؤل المطروح: لماذا الامتداد في التخصص العلمي يُعد مطلباً عاماً لجميع المبتعثين؟! وهل يُعد تميزا معرفيا مطلوبا في كل المجالات والقطاعات؟! أم إن ذلك العمق المعرفي يُعد متطلباً رئيساً في المجال العلمي المتخصص فقط!، بينما يُعد الاختلاف في التخصص في الدراسات العليا تميزاً مطلوباً في المجالات الأخرى؟!

في الحقيقة، إن هناك قواعد عامة معروفة لمختلف القضايا والأمور التي تواجهنا في حياتنا اليومية بمجالاتها المتعددة، ولكن في كثير من الأحيان لا يمكن تطبيق القاعدة ذاتها بجميع محتواها وحذافيرها وبجميع مضمونها وشروطها في كل أمر من الأمور؛ لوجود اختلافات في المجال والظروف والحاجة والأهمية والأولوية، وغير ذلك من الاختلافات المتصلة بأي عنصر أو موضوع كان، ولذا فإنه من صلاح الأمور عند معالجة كثير من القضايا التي تستهدف شريحة كبيرة، أن تكون هناك مرونة في الأداء وتمييز في تناول القضايا، وحِرَفيٍة وذكاء في التفريق بين مضمون القاعدة، وما تتناوله من قضايا، من ناحية مدى جدواها لكل متطلب أو موضوع، وما درجة أولويته وأهميته؟ وهل يمكن تعميمها على كل المجالات، أم إنها تحتاج تفصيلا ضمنيا لها واستثناءات؟! وهل سيكون التنفيذ بحذافيره أكثر فائدة ومردودا أم العكس؟!

وإذ إن الامتداد في التخصص العلمي في الدراسات العليا للطلاب يُعد مطلباً أساسياً، وشرطاً من شروط الابتعاث العامة، وبما يمكننا اعتباره قاعدة أساسية ضمن اللوائح الثابتة في برنامج الابتعاث، فإنه علينا مناقشته بموضوعية وشفافية تسهم في تصحيح الواقع الحالي لمتطلبات الابتعاث، خاصة ونحن على أبواب مرحلة قادمة من برنامج الابتعاث، وبصدد برامج مستحدثة للابتعاث الخارجي، تستهدف تأهيل وتمكين مواردنا البشرية بما يتواكب مع تحقيق مستهدفاتنا الوطنية، ويسهم في تحمل مسؤولية المشاركة في تنفيذ برامجنا التنموية، وبما تتضمنه رؤية 2030 من طموحات وتطلعات.

وإذا كان الامتداد في التخصص العلمي يعد مطلبا أساسيا لطلاب الدراسات العليا، لمن يستهدفون العمل في المجال العلمي الأكاديمي والبحثي التخصصي في أي مجال كان، سواء تحت مظلة الجامعات أو مراكز البحث المختلفة، لما يضيفه الامتداد في التخصص من عمق معرفي وإطلاع شامل وواسع على كل ما يتعلق بالتخصص الدقيق من تفصيلات وتفسيرات ومفردات، تُمكّن من الاضطلاع فيه، والتبحر في مكنونه العلمي ومضمونه الدقيق؛ وبما يتيح الإبداع والابتكار من بحر المعرفة المتخصصة التي تم الإلمام بها فكريا، والتشرب من ميادينها معرفياً، ويُمكّن رائدها من سبر غورها بمفرداتها وكنوزها المتنوعة المتصلة، والتي تشكل في مجموعها شبكة معرفية متخصصة في علم من العلوم التي تُثري صاحبها، وعليه ستكون هناك جودة في العطاء وتمكُن في المعرفة المطلوبة في مجاله التخصصي الذي يتطلب تأصيل المعرفة والتمكين منها، سواء لعقول طلابه أو في مجاله البحثي المطلوب، كإحدى مسؤولياته الأكاديمية والعلمية.

فإنه من جهة أخرى، نجد أنه تكاد جميع قطاعاتنا الأخرى من العام والخاص ومختلف مؤسساتنا التنموية؛ لا تتطلب ولا تحتاج ذلك الامتداد في التخصص العلمي في الدراسات العليا، والذي يُعد استكمالا للتخصص الأولي في مرحلة البكالوريوس، خاصة ونحن بصدد برامج تنموية مختلفة، ورؤية طموحة تستهدف، تحقيق تنمية شاملة لجميع مقدراتنا الوطنية البشرية منها والقطاعية، في جميع مضمونها الاجتماعي والاقتصادي والصناعي والتقني وغيره، وعليه فإن إتاحة الفرصة للطلاب والطالبات في تنوع الاختصاصات العلمية في الدراسات العليا «والبكالوريوس»، بما يتوافق مع برامج الرؤية المستهدفة ومبادرات التنمية الشاملة، ستسهم في تحقيق الرؤية ببرامجها المختلفة بكوادر وطنية مؤهلة، خلال برامج الابتعاث إلى الجامعات المميزة عالمياً في مجالاتنا المستهدفة.

ولمّا كان مؤهل البكالوريوس يعدّ القاعدة العلمية الأولية لطلاب الدراسات العليا، وعليه يمكن استكمال الدراسات العليا في مسارات مختلفة، والتي يمكن تحديد مساراتها بمرونة كخطوط عريضة تتوافق ومتطلباتنا التنموية المستقبلية، فإن طلاب البكالوريوس بتخصصاتهم المختلفة يمكنهم كذلك استكمال دراستهم في مجالات متنوعة تتواءم ومستهدفاتنا التنموية، وبذلك يمكننا فعلياً الاستثمار في مواردنا البشرية، بحيث تتاح الفرصة للتنوع في تخصصات الابتعاث وبرامجه المختلفة، وبدرجات علمية متفاوتة، وإلا فإن الابتعاث سيقتصر على فئة محدودة جداً من مخرجاتنا الجامعية، مقارنة بأعداد الخريجين الذين يطمحون إلى استكمال دراستهم العليا، ومن جانب آخر فإن التنوع في التخصص في الدراسات العليا للعاملين في القطاعات المختلفة، يمُكّنهم من الإثراء المعرفي والعلمي، إضافة إلى تعزيز التمكين الإداري والتقني بما يسهم في جودة الأداء، والإلمام بمتطلبات ومسؤوليات القطاع الذي ينتمون إليه على اختلاف ميادينه.

وفي ضوء ما تم نشره إعلاميا منسوبا إلى وزارة التعليم حول عزم الوزارة ابتعاث 7 آلاف طالب وطالبة للعام القادم، فإننا نأمل أن تراجع الوزارة قاعدة الابتعاث وتعيد النظر في شروطه المقيدة لفئة كبيرة من مخرجاتنا للبكالوريوس والدراسات العليا، سواء في شرط امتداد التخصص للقطاعات المختلفة «باستثناء التعليم الأكاديمي ومراكز البحث العلمي»، أو ما يتعلق بالسن المتاح للمبتعثين بما يتطلب اتساع مساحته، ليتيح فرصة مشاركة أكبر عدد من مواردنا البشرية في برامج الابتعاث المستهدفة، هذا إضافة إلى غير ذلك من المتطلبات التي تقتضي الحاجة الراهنة، المرونة في فرضها كشروط ملزمة للجميع، لاختلاف الظروف والحالات التي تحيط بالفئات الساعية للابتعاث.

ومما يجدر التنويه إليه، أن تحقيق رؤية 2030 بطموحها وتطلعاتها وبجميع ما يلحق بها من برامج تنموية ومبادرات مختلفة، تستهدف ترجمة الرؤية إلى واقع تنموي نعيشه؛ يتطلب وبشكل مُلِح، العمل على تحديث معظم الأنظمة والتشريعات والقوانين الوطنية الخاصة بمؤسسات الدولة العامة والقطاع الخاص، سواء ما يتعلق منها بوزارة الخدمة المدنية، أو ما يتصل بوزارة العمل والتنمية الاجتماعية، إضافة إلى ما يتبع كل قطاع من أنظمة خاصة به، وذلك بما يتواءم مع المرحلة الانتقالية المهمة ومسيرة التنمية الشاملة والإنجازات المأمولة التي نستهدفها، وبما يخدم بلورة برامجنا ومبادراتنا إلى واقع نعيشه ومستقبل ننتظره، وعليه لا بد أن تكون سياسات القطاعات المختلفة وإجراءاتها العملية وبرامجها المستجدة، ممُكِنات مُيسِّرة وأنظمة وقوانين داعمة لتحقيق الرؤية وإنفاذ مضمونها التنموي في إطار ما خُطط لها من إستراتيجيات، وما رُسم لتنفيذها من تطلعات وطموحات وطنية.