القصص الخيالية التي كان يؤلفها شيوخ الصحوة من نوعية «حدثني ثقات عدول» أو «شهدتها بعيني» والتي كانوا يلقونها على منابر المساجد والمخيمات الدعوية والتوعوية وفي حلقات التحفيظ وكذلك بالفصول الدراسية، والتي كانوا يتهافتون على توثيقها وتسجيلها عبر التقنيات الحديثة، ابتداء من عهد الكاسيت وجهاز عرض الفيديو، وصولا إلى عهد مواقع التواصل الاجتماعي والإعلام الجديد!

تلك الخرافات التي كانت تلقى على مسامعنا في كل وقت وحين، بحجة الدعوة لله، وهي أبعد ما تكون عنه تعالى، بل العكس هي دعوة للجهل وتعطيل العقل وتصديق كل خرافة يقولونها، وللأسف الشديد كانوا وأظن أنه ما زال بعضهم حتى الآن، خصوصا في خارج المدن الكبرى، يعقدون مخيمات صيفية دعوية أو على هذا النحو، كي يتقيؤون من خرافاتهم على بعض البسطاء ممن ما زال يعتقد بقدسية هؤلاء، أو لديه محدودية بالفهم، والإدراك لذلك هو يصدقهم ومتعلق بهم، وهذا الخطر هو الأعظم! لأن أغلب تلك المخيمات ما هي إلا جهاز تفريخ صحوي يفرز لنا براعم صحوة جددا، وبراعم الصحوة هؤلاء ما هم بالحقيقة إلا مجموعة من جهلاء أو منحرفين فكريا أو يكونون من أصحاب السوابق الجنائية، وتفتح لهم الصحوة أبواب التوبة والإنابة إلى الله، كما زعموا، لتستمر مسيرة الجهل والتخلف.

كل ذاك الدجل وتلك القصص الخرافية هي من نسج خيالهم! وإذا تمعنا جيداً في هذه القصص الخرافية فإننا نراها ركيكة الأسلوب والمعنى، وضعيفة من الناحية الأدبية، ولا يوجد فيها مضمون أو عبرة أخلاقية، وإذا وضعنا تلك القصص على ميزان الإنسانية سيتضح لنا أن تلك الخرافات ما هي إلا مفرزات النفس البشرية لمن يؤلفها، ودعوة للعنف تعكس تربية من يؤلفها، سواء ما تعرض له من عنف اجتماعي، أو من الدروس التي تعلم فيها من بعض الدعاة بأن العنف هو أساس الدعوة! عن طريق تغيير المنكر باليد إذا استدعى ذلك، وهو أفضل وأقصر الطرق عندهم.

قد يكون أن بعض دعاة الصحوة يعانون بعض الأمراض النفسية مثل مرض جنون الارتياب، أو أمراض نفسية أخرى كالفصام والاضطرابات الاجتماعية أو الشخصية، وكلها تنعكس في استغلالهم بعمليات الإرهاب، أو اقتحام الحياة الخاصة للناس بحجة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

بعض المذاهب الدينية المنغلقة لا تقبل الاختلاف ولا ترحب بالآخر، ولا تفتح فيها أبواب المعرفة والابتكار، ويكون العلم فيها محصورا بالعلوم الشرعية فقط، حتى ما يتجاوز عنه من العلوم التطبيقية يجب أن يكون متوافقا مع الشريعة، والتي هي بالأحرى لا تتجاوز بأنها فهم بشري للنص الشرعي وليس حقيقة النص، لذا فإن الفلسفة محرمة عندهم بسبب أن الفلسفة تدعو للقياس العقلي والمنطقي في كل الأمور، وهذا لا يجوز عندهم لأنه يفضح فردية رأيهم.

أما المجتمعات المدنية يكون أفرادها متعاونين متحابين متحدين كأنهم بنيان مرصوص يبنى على أسس العقل والمنطق فوق جسد الوطن الواحد، الذي إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، وهو التحول الوطني الذي نطمح للوصول له في مملكتنا الغالية تحت ظل توجيهات ورؤية قيادتنا الرشيدة، وعمل وجدية الشعب الوفي الطامح لمزيد من التقدم والازدهار، والمحب للحياة والوطن.