من المبكر بمكان أن نكتب رؤية نقدية لعاصفة الراحل الصديق الأثير الدكتور عبدالرحمن الوابلي لمجرد مشاهدة ثلاث حلقات من «العاصوف». تبقى الحقيقة أنه في هذه الحلقات الثلاث الأولى قد أيقظ مواجع الذكرى لأولئك القلائل الذين عاشوا مجتمع الرياض ويقظة نشأتها في بذرة التحول الأولى قبل ما يقرب من خمسين سنة، أصعب أنواع الحبك الروائي هو ذلك الذي يسرد حكاية مجتمع أو قاع مدينة، ولهذا أعتقد أن المرحوم الوابلي انحاز لمفاهيم السرد التاريخي المجرد على حساب تراتيل وأركان الرواية، هو أحد قلائل المتخصصين في التاريخ الذي قرأ تخصصه جيداً بوصف التاريخ دلالات ثقافية وسياسية وفكرية، أكثر من كونه مجرد سرد للتأريخ والحوادث والقصص الحكائية. كان هذا واضحاً في عشرات الحلقات التلفزيونية التي جعلت من عبدالرحمن الوابلي، رحمه الله، ومن وجهة نظري، أفضل من قرأ حركة التحول التاريخية للمجتمع السعودي، وأفضل كاتب نصوص التوت إليه الأعناق سواء كنت معه أو ضده.

كثُر بيننا اليوم من نستطيع أن نصفهم بأنهم ذاكرة الغالية الرياض، وكثر أيضاً من كتب مجتمعها في طفرة المشهد الروائي السعودي. لكن الذي أعرفه جيداً أن عبدالرحمن الوابلي ظل لسنوات يقرأ في دهاليز التاريخين السياسي والاجتماعي لهذه المدينة في التمهيد لكتابة «العاصوف»، وكما قال لي قبل فترة قصيرة من رحيله المفاجئ، فقد واجه ندرة المدون المكتوب عن تاريخ هذه المدينة، مثلما عانى من التحفظ الشديد من كثير من سكان المدينة القديمة، وهو يستمطر منهم شيئاً من الذاكرة التاريخية الشفهية، ولأنني ومن فمه رحمه الله، أعرف على الأقل هيكل «العاصوف»، أستطيع القول إنه وبكل ثقة أفضل كاتب سعودي كتب حتى الآن «حكاية مدينة»، قد لا يعلم البعض أن عبدالرحمن الوابلي ولد في بريدة وعاش فيها حتى تخرج من جامعتها، وهنا تكمن الغرابة لأنه لم يعرف الرياض إلا عزوبيا بعد عودته من البعثة، وقد استحالت إلى أكثر مدن هذا الشرق سلخاً لثوبها القديم إلى أبراج الحداثة. قد تخدش قراءتي هذه اندفاعي العاطفي لذكرى صديق راحل، لكن عاصوفه يبني كل يوم جزءاً من العاصفة المتوقعة.