اعتادت ميليشيات الحوثيين الانقلابية على استغلال الأطفال وتجنيدهم للقتال في صفوفهم، وفق ما كشفته العديد من المنظمات العاملة في مجال حقوق الإنسان وحماية الطفولة، ودعت إلى الضغط على الانقلابيين للكف عنها، كما نشرت مشاهد حية لأطفال يمنيين تم استغلالهم والدفع بهم في أتون الحرب، إلا أن ما كشفته قيادة التحالف العربي لعودة الشرعية خلال اليومين الماضيين كان أكثر إيلاما على النفوس، وأشد بشاعة من كل ما سبق، عندما عرضت استخدام أحد القيادات الحوثية لطفلته - التي لم تتجاوز أربع سنوات من عمرها – كدرع بشري، عبر اصطحابها معه خلال عمليات تهريبه للأسلحة، ومحاولاته الاعتداء على قوات التحالف.

هذا الحوثي الذي تجرد من كل قيم الإنسانية، ولم يحظ قلبه القاسي بذرة من الرحمة، لم يتورع عن اصطحاب ابنته، ليمنع عن نفسه رد قوات التحالف، لأنه يدرك أنها لا تعتدي على الأطفال، وتتقيد بمراعاة قواعد الاشتباك المعروفة. وعندما تأكدت قيادة قوات التحالف العربي مما فعله ذلك الحوثي المتصلب الفؤاد، وحجم الجريمة التي ارتكبها في حق الطفولة والإنسانية جمعاء، تمسكت باعتقاله وأسره، وكان لها ما أرادت، لتكشف للعالم أجمع حجم التجاوزات الإنسانية التي يرتكبها أعوان الحوثي وأتباع طهران.

خلال المؤتمر الصحفي الذي صاحب عملية تسليم الطفلة الضحية للحكومة الشرعية في أحد المنافذ الحدودية بمنطقة نجران، بحضور مندوب من الصليب الأحمر وعدد من القطاعات ذات العلاقة، وقد حالت ظروف سفري عن تلبية دعوة وحدة حماية الأطفال في قيادة التحالف التي جاء إنشاؤها منسجماً مع أهداف الأمم المتحدة لحضور إجراءات التسليم، وقد تابع الجميع ملامح الحيرة والخوف في عيني الطفلة التي تسمى «جميلة»، ونظراتها الزائغة، وهي تتشبث بالألعاب والحلوى التي أهدتها إياها قيادة التحالف، ولعلها تسأل نفسها عن ذلك الابتلاء الذي ابتلاها به الله والمسمى مجازا بالأب، وتحمد الله على خلاصها من رحلات العناء التي اعتادت أن ترافق فيها والدها، غصبا عنها، وهو يحاول تهريب السلاح للمتمردين، أو يحاول الاعتداء على جنود المقاومة الشعبية.

خلال السنوات الماضية طرحت العديد من المنظمات الدولية ظاهرة تجنيد الميليشيات للأطفال واستخدامهم في الحروب، وأوردت منظمات حقوقية يمنية إحصاءات تشير إلى أن الحوثيين يعتمدون على تجنيد القاصرين الذين تجاوزت أعدادهم 13 ألف طفل، وأبانت أن معظم أهالي الأطفال يضطرون إلى إرسال أبنائهم للقتال في صفوف الميليشيات تحت التهديد، أو رغبة في الحصول على عائدات مالية، نتيجة لتراجع الدخل وتزايد معدلات الفقر. إلا أنه في معظم الحالات فإن الميليشيات تلجأ إلى إرهاب الأهالي، لاسيما في المناطق الريفية التي تزداد فيها نسبة الفقر، وترغمهم على القبول بإرسال أبنائهم للتجنيد في صفوف الانقلابيين، وتهددهم بمصادرة منازلهم والطرد من قراهم إذا أصروا على الرفض، كما تلجأ أحيانا إلى إغرائهم بصرف مواد غذائية بصورة منتظمة نظير كل طفل يتم تجنيده. ولخداع الأهالي فإن مندوبي الحوثي يتعهدون لذوي الأطفال المجندين بعدم إرسالهم إلى مناطق العمليات، وأن دورهم سيقتصر على الحراسة، إلا أن الميليشيات كعادتها تنكص عن كل تلك التعهدات وتقوم بإرسال الأطفال إلى معسكرات تدريبية لا تستمر لأكثر من 14 يوما، يتم فيها تعليمهم إطلاق النيران، ومن ثم يتم إرسالهم مباشرة إلى جبهات القتال. وهذه الحقيقة يؤكدها مقتل عدد من الأطفال أثناء المعارك.

المؤسف في الأمر أن انتهاك الحوثيين لحقوق الأطفال لا ينتهي بتجنيدهم وإرسالهم للقتال، بل إن هناك أنواع أخرى من الانتهاكات تبدأ مع وصولهم لجبهات الحرب، حيث يرغمون على تناول عقاقير الهلوسة التي يطلق عليها «حبوب الشجاعة»، لمساعدتهم في التغلب على الشعور بالخوف، والتعود على أجواء الحرب، وهي عقاقير ممنوعة دوليا، لأنها تتسبب في أضرار بالغة على الجهاز العصبي لمتعاطيها. كذلك فإن الكثيرين من الأطفال الذين أسرتهم قوات التحالف خلال المعارك أكدوا أنهم تعرضوا لاعتداءات مختلفة من قبل المقاتلين الذين يكبرونهم في السن، مشيرين إلى أن من يرفض الخضوع لرغبات الانقلابيين، أو يفكر في الهرب، أو الامتناع عن المشاركة في القتال، فإن مصيره الموت المحتوم.

كذلك كان لافتا تأكيد عدد من التقارير الحقوقية أن حالات تجنيد ميليشيات الحوثي للقاصرين في البلاد تزايدت بمقدار خمسة أضعاف، كما كشفت تلك المنظمات عن مفاجأة مدوية عندما أكدت أن الحوثيين اقتحموا دور الأيتام في العاصمة صنعاء وعدد من المدن التي لا تزال تحت سيطرتهم وساقوا الأطفال الأيتام عنوة نحو مراكز التجنيد. ورغم ما يمثله إرغام الأطفال على المشاركة في العمليات القتالية من انتهاك لحقوقهم التي كفلتها القوانين والأنظمة، إلا أن الأكثر خطورة هو أن تلك الظاهرة تهدد مستقبل اليمن بالضياع، حتى في حالة انتهاء الأزمة والتوصل إلى حل سياسي، حيث إن الأطفال الذين شاركوا في الحرب لن يكون بإمكانهم العودة لممارسة حياتهم بصورة طبيعية، ولن يستطيعوا الانخراط في العملية التعليمية من جديد، بسبب ما مروا به من تجارب قاسية، وسيكونون بحاجة إلى علاج نفسي مكثف.

ورغم التحديات الكبيرة التي تنتظر المبعوث الدولي الجديد إلى اليمن، البريطاني مارتن غريفيث، وتعدد الملفات الموجودة على طاولته، ومساعيه الرامية إلى إقرار هدنة إنسانية تمهد لمفاوضات جادة تضع حدا نهائيا للقتال، إلا أن المهمة الأولى التي ينبغي أن يوليها عنايته ويمنحها تركيزه هي وقف تجنيد الأطفال، وتسريح الموجودين في المعسكرات، في أقرب وقت ممكن، والسماح للأطفال بالعودة إلى مدارسهم في بيئة سليمة وآمنة، فإذا كان اليمن في حاجة إلى إعادة إعمار وبناء، فإن حاجة أطفاله أكبر لإعادة تأهيلهم ودمجهم في مدارسهم.