جلست قبل أيام مع أحد الأصدقاء في مقهى باريسي يطل على برج إي?يل وكعادتنا نحن اللبنانيين والعرب لا يمكن أن نبدأ حديثا لا يتضمن موضوعاً سياسياً أو حزبياً وحتى طائفياً، وانطلقت رحلة حديثنا من الأحداث في المنطقة وتراجع بعض الأحزاب السياسية أمام حزب الله في لبنان، وتراخي آخرين أمامه وتنازل البعض له، والقبول بتحالفات غير معلنة مع قيادته من أجل منصب هنا، وحكومة هناك وتسهيلات في ملفات معينة على حساب الوطن وعلاقاته مع المحيط العربي والمجتمع الدولي.

أثناء حديثنا وجهت اللوم إلى الإخوان في طائفة الأقليات الشيعية في المنطقة العربية، واعتبرت أن تخاذل شريحة كبيرة منهم عن مواجهة حزب الله ومشروعه التدميري كان السبب الرئيسي في وصوله إلى هذه المرحلة من العداء لكل ما يحيط به، وإلى كل هذه التبعية العمياء لإيران، بل أكثر من ذلك إلى هذا الغرور في استخدام أبناء الطائفة الشيعية كحطب لمحرقة إيران في المنطقة ومشروعها التخريبي الساعي لإشعال الاقتتال بين المسلمين والشيعة والمسيحين وباقي أطياف المجتمعات العربية، فهؤلاء تم إرسالهم إلى سورية لقتل المسلمين فيها وتهجيرهم واحتلال أراضيهم وبلداتهم وقراهم وحتى مدن بكاملها، وتحويلها إلى مربعات أمنية للحزب والمنتفعين من أنصاره وقياداته وكان الخاسر في كل ما جرى بعد أصحاب المناطق الشباب الشيعي المغرر بهم، والذين سقطوا قتلى أو جرحى دفاعاً عن تنظيم ومشروع إرهابي يقوده ولي سفيه أحمق ضال لا يميز الحق من الباطل، وكل ما يسعى له منذ إنشاء جمهورية الإرهاب الإيرانية هو السيطرة على عواصم عربية وإشعال فتيل الفتنة الطائفية والاقتتال بين أبناء الدول العربية فيما بينهم.

عدنا بشريط الأحداث إلى سبب دخول حزب الله الإرهابي إلى سورية وحديث حسن نصرالله بداية أنهم هناك لحماية المراقد الشيعية، وتساءلنا ببراءة وعفوية؛ ألم تكن تلك المراقد موجودة لمئات السنين تحت حماية السوريين وهم من المسلمين ولم يتعرض أحد لها بسوء بل على العكس تماماً أمنوا وصول زوارها بسلام وهدوء، وتحدثنا أكثر عن خطابات نصرالله لاحقاً وتبريره الوجود في سورية لمحاربة الإرهاب وحماية لبنان من تأثيرات هذا الإرهاب، وأكدت لصديقي أنه

لم تجر على الأرض السورية أي اشتباكات حقيقية بين الحزب وداعش أو النصرة ولكن معظم الاشتباكات والعمليات التي خاضها الحزب كانت ضد السوريين أنفسهم «جيش حر ومقاومة شعبية وأحياء تدعم الثورة وتطالب بإسقاط الأسد ونظامه».

انتقلنا بالحديث إلى ما تسبب به حزب الله من شرخ في العلاقات بين لبنان والخليج العربي، هذا الخليج الذي دعم اقتصادنا وأعاد إعمار وطننا الذي أنهكته الحرب الطائفية وبعدها حروب حزب الله العبثية ضد إسرائيل، هذا الخليج الذي فتح أبوابه لتوظيف أكثر من 400 ألف لبناني وساهم بدعم الاقتصاد في لبنان بمئات ملايين الدولارات سنوياً، إضافة إلى الودائع في مصرف لبنان لحماية الليرة والحفاظ عليها، ومررنا على ذكريات زيارة مئات آلاف الخليجيين إلى لبنان سنوياً في المواسم السياحية وقضاء العطل في ربوع وطننا، والفوائد التي عادت علينا على مستويات عديدة أبرزها الاقتصادية، وقارنا كل ما تحدثنا عنه بما تقدمه إيران للبنان، فكانت الإجابة الحقيقية والصادمة من شاب يجلس على طاولة بجانبنا في المقهى ليقول «إيران لم تقدم للبنان شيئا، بل هي تقدم لحزب الله فقط من أجل السيطرة على لبنان وإخضاعه ومؤسساته وإغراقه في الفساد والتخلف وتحويلنا نحن الشيعة إلى مرتزقة يُقتلون كي يحيا المرشد».

التفتنا له فعرف بنفسه وقال «أنا سامر من بعلبك الهرمل» أنا شيعي أبا عن جد ومن عشاق المقاومة ولكن أين هي المقاومة اليوم؟ المقاومة التي عشقناها قاومت إسرائيل ولكننا اكتشفنا أنهم عملاء لها وغطاء لها وجزء من المشروع الإيراني لتفتيت المنطقة العربية، والمساعدة على تحويل دولنا العربية إلى كنتونات يسهل احتلالها وتدميرها، وكانت أفضل وسيلة لتحقيق ذلك هي زرع تنظيم ينتحل صفة المقاومة وبعد أن يأسر قلوب الشعوب يتحول إلى المشروع الرديف وهو مساعدة إيران على السيطرة على دولة هنا ودولة هناك، وقال سامر في الجلسة إن أهل بعلبك الهرمل ومعظم البقاع يتعاملون مع حزب الله مقابل الخدمات والمال، وأنهم كلما شعروا بأن ذلك الدعم يقل يرفعون الصوت عالياً كما حصل في حي السلم في بيروت، وكذلك في البقاع قبل أيام عندما تظاهر البعض ووجهوا خطاباً قاسياً لنصرالله وشبهوا عصابته بداعش بل بأنها أشد خطراً عليهم من داعش نفسها.

قال سامر وهو يشعر بمرارة.. نعم أنا شيعي، أنا لا أتبع لسفارات ولست عميلاً ولكنني ضد حزب الله وضد سياساته وقياداته وتبعيته لإيران، أنا شيعي ضد سلاح يوجه لصدر أهل بيروت والجبل، وضد سلاح يهدد السعودية والبحرين واليمن والعراق ويقتل السوريين بحجة الدفاع عن آل البيت.

انتهت الجلسة ومشينا جميعاً لنكمل حدثينا فقال سامر لا تأمنوا لحزب الله فهو لا يملك قراراً بل من يتحكم بقراراته وسياساته هي إيران وحرسها الثوري، وعليه فإن تخاذل قيادات في لبنان كرئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وقبولهم بمشاركة الحزب في الحكم والخضوع التام له سيكون لها انعكاسات كبيرة على الوضع اللبناني، وأن دول الخليج ستزيد من مقاطعتها للبنان ولن تقبل أن تقدم له أي دعم طالما هو مستسلم لهذا المشروع، وتمنى أن تتم محاسبة كل سياسي لبناني تنازل وجلس على طاولة العار المسماة طاولة الحوار لتقديم فروض الطاعة لحزب الله وأمينه العام وكيل إيران في لبنان حسن نصرالله، ووعد سامر بأن خلاص المنطقة من هذا التنظيم ستكون شعبته انتفاضة ضد الحزب في البقاع وبيروت وبعدها الجنوب، تنهي وجوده تماماً بعد كل ما تسبب به من مآسٍ للشيعة العرب لأجل إيران.