يحمل التقدم المتسارع للجيش اليمني والمقاومة الشعبية، مدعومين بقوات التحالف العربي لدعم الشرعية باتجاه استعادة مدينة الحديدة مؤشرات عديدة تؤكد قرب انتهاء الأزمة اليمنية، وزوال كابوس التمرد الحوثي الذي جثم عدة سنوات على صدور اليمنيين. فالحديدة ليست مجرد مدينة أو ميناء، بل تمثل عصب الحياة لفلول الانقلابيين، حيث تشكل المنفذ الرئيسي الذي تصلهم عبره الأسلحة التي تهربها لهم طهران، إضافة إلى مصادرتهم لكافة المساعدات الإنسانية التي ترسلها المنظمات الإنسانية لمساعدة المدنيين في اليمن.

ومن المؤسف أن تلجأ بعض المنظمات الإنسانية إلى تسييس الأمور في اليمن بصورة مخلة، عبر إطلاق تحذيرات مغرضة ومضللة من بسط الشرعية لسيطرتها على المدينة بادعاء أن ذلك يعرض حياة ملايين اليمنيين للخطر ويهدد بتفشي المجاعة، وكأن المتمردين الحوثيين يلقون بالا في الأساس لمصلحة السكان، أو يكترثون لمصائرهم، متجاهلين ممارساتهم التي لم يعرف اليمنيون لها مثيلا طوال تاريخهم، من احتجاز للسفن في الميناء، وتعسف في السماح بدخولها، ومصادرة شحنات الأغذية والأدوية التي ترسلها المنظمات الإنسانية والدول المانحة.

ولا يخفى على المتابع المنصف ما تقترفه تلك الميليشيات الخارجة على القانون من جرائم بحق الإنسانية، وهي تصادر شحنات الأدوية المنقذة للحياة، وتوزعها بصورة حصرية على مستشفيات المدن التي لا زالوا يسيطرون عليها، فقد شهد المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة في اليمن، ستيفن دوجاريك - رغم تحيزه المستمر - بارتكابهم لتلك الممارسات عندما أراد دخول مدينة تعز التي تتعرض لأسوأ أنواع الحصار منذ ما يربو على ثلاث سنوات، ومنعه الانقلابيون من دخول المدينة، بل وأطلقوا النار على موكبه. وأقر المسؤول الأممي بأن الحوثيين أقدموا على إفساد شحنات من الأدوية وأنابيب الأوكسجين عندما أيقنوا أن الوقت لن يسعفهم لنقلها إلى مناطقهم، في الوقت الذي كان فيه المرضى في تعز يموتون لعدم توفر تلك الأدوية والمعينات الطبية في المستشفيات، مما حال دون إجراء عديد من العمليات الجراحية.

هذه التجاوزات وغيرها من تجويع للمدنيين وقتل لهم بالجوع والمرض، مما يصل مرحلة الجرائم الموجهة ضد الإنسانية تتشابه إلى حد كبير مع ما اعتادت ميليشيات حزب الله الإرهابية ارتكابه في القصير وغيرها من المدن السورية، لكنه لم يكن كافيا للأسف في نظر تلك المنظمات المنوط بها خدمة الإنسانية لإصدار بيان واحد يرغم الحوثيين على وقفها، فغضت الطرف عنها، ولم تنطق ببنت شفة، لأنها غلبت أجندتها السياسية على واجباتها الإنسانية، وأرادت إطالة أمد الأزمة، تنفيذا لأجندة معسكرات سياسية يهمها أن يبقى الوضع على ما هو عليه، للمزيد من الاستنزاف، لذلك أصبحت غير مؤهلة للحديث عن ذلك الأمر.

ومن المؤسف أن الأمم المتحدة التي أكدت أكثر من مرة أن مخلفات وشظايا بعض الصواريخ الباليستية التي أطلقها الحوثيون على المدن والقرى الحدودية السعودية لإيقاع أكبر قدر من الأضرار وسط السكان المدنيين، هي في الأصل صواريخ إيرانية الصنع، تم تهريبها إلى اليمن عبر ميناء الحديدة خلال الأشهر الماضية، ورغم ذلك تنادي بوقف تقدم الجيش اليمني نحو استعادة المدينة، ووقف عمليات التهريب، رغم أن الطرف الانقلابي هو الذي رفض مبادرتها الرامية إلى وضع الميناء تحت إشراف دولي. وهذا التراخي المخل هو الذي يدفع ميليشيات إيران إلى إبداء المزيد من التعنت ورفض كافة المحاولات المبذولة للتوصل إلى حل سياسي.

الوضع أصبح واضحا الآن، وكافة أطراف المعادلة لا تحتاج إلى اجتهاد لإدراك حقيقة واحدة، هي أن الحل يكمن في تسريع العمليات العسكرية، وممارسة المزيد من الضغوط على الأرض في مواجهة المتمردين، إذا أردنا وضع حد لمعاناة الأطفال واستعادة الشرعية وإعادة إعمار ما دمرته الحرب، فالتجارب الطويلة والمتكررة تثبت أن من اغتصبوا السلطة تحت تهديد السلاح لا يكترثون لكل ما يعانيه الشعب اليمني، وليس في ذلك عجب، فقد ارتضوا أن يكونوا معول هدم يستخدمه أعداؤهم لتحقيق أهدافهم الخاصة وتمرير أجندتهم التي ليست لها صلة بمصلحة اليمن، واستخدام الأزمة كمجرد ورقة ضغط سياسي لتحقيق أهداف خاصة في ملفات أخرى.

ومما يشيع الاطمئنان في النفوس أن قيادة القوات الموالية للشرعية، من جيش وطني، ومقاومة شعبية، وقوات التحالف العربي، لم تلق بالا لتلك المزاعم والادعاءات الواهية التي نشطت بعض المنظمات في ترديدها خلال الفترة الماضية، وركزت جهودها لتحقيق مزيد من التقدم، والإسراع في استعادة الحديدة لتسريع المعركة الكبرى في صنعاء، ووضع حد لتلك الأزمة التي طال أمدها، وهو ما أدى إلى تحقيق نجاحات ميدانية كبيرة، فها هي طلائع القوات الشرعية أكملت سيطرتها على مطار الحديدة وتسعى لإحكام الطوق حول الميناء، وأوقعت خسائر ضخمة وسط الميليشيات المتهاوية، وباتت تحاصرها في جيوب متفرقة.

إن كانت تلك المنظمات وبعض مراكز الضغط المشبوهة تريد فعلا الإسهام في حل الأزمة فإن السبيل لتحقيق هذا الهدف النبيل واضح، وهو ممارسة ضغوط سياسية حقيقية على الانقلابيين، بالتوازي مع الضغوط العسكرية لحملهم على الجلوس إلى مائدة التفاوض بنية التوصل إلى حل سياسي شامل، وقد قدمت الحكومة الشرعية بقيادة الرئيس عبد ربه منصور هادي كل ما يلزم لأجل تحقيق ذلك، بعد أن تعهد بضمان توفير حق المشاركة السياسية للمتمردين، بعد إيفائهم بكافة بنود القرارات الدولية ذات الصلة، من تسليم للسلاح الثقيل، وانسحاب من المدن، وعودة للثكنات، والتحول إلى كتلة سياسية، فإن كانت تلك المنظمات على استعداد للقيام بذلك فإنها تكون قد أحسنت صنعا، وإلا فإن السكوت هو أفضل ما يمكنها فعله.