تؤسس قيادة المرأة للسيارة لمرحلة تنموية جديدة في تاريخ المرأة السعودية ولمنجزات الوطن المعطاء، لتشمل بتداعياتها وتأثيرها كافة زوايا المجتمع الوطني، سواء بمؤسساته الرسمية أو بمكوناته المجتمعية المختلفة، لأن السماح للمرأة بالقيادة سيتيح لها الكثير من فرص التواجد في المجتمع الوطني كإنسانة مسؤولة، وكمواطنة تستحق الحضور والمشاركة في كافة المجالات الوطنية، وفي ذلك تأكيد على مستحقاتها الإنسانية والذاتية كعضو أساسي في تنمية المجتمع ومساهم حقيقي في فعالياته، والذي يؤسس بدوره لمرحلة جديدة من الاحترام المطلوب والاستقلالية الخاصة بالمرأة في منظومة التعاملات المختلفة والسلوكيات التي قد تنتقص من مكانتها وإنسانيتها أحيانا، سواء في الإطار الأُسري أو من خلال تعاملات كيانات المجتمع الأخرى.

إن السماح للمرأة بالقيادة إنما هو تعزيز لتمكينها الوطني وزيادة في تيسير إمكانية مشاركتها في سوق العمل، وفي تحصيل تعليمها النظامي المأمول أو في اكتسابها القدرات المتنوعة والحصول على مهارات يتطلبها سوق العمل بالتدريب والتأهيل، لأن صعوبة توفير مواصلات مناسبة وآمنة، كان يشكل حجر عثرة أمام كثيرات من إمكانية انخراطهن في سوق العمل ومتطلباته المختلفة رغم تحصيل بعضهن للتعليم المناسب، إذ شكلت تكاليف المواصلات أحد العوائق الرئيسة لقبول الوظائف -إن وجدت- في ظل انخفاض الأجور، بما يجعل الانخراط في العمل أمر غير مجدٍ اقتصاديا، ومن جهة أخرى فإن الخوف وعدم الأمان قد يحولان دون إمكانية استخدام وسائل النقل المتاحة للنساء للركوب بمفردهن، أو حتى مع مجموعة من النساء مع سائق عام، ناهيك عن الحوادث المتداولة، هذا بالإضافة إلى السلبيات المتصلة بتوفير سائق خاص في حال سمحت الظروف الأسرية والاقتصادية، ويتعلق ذلك بالأمن الشخصي والتكاليف المضافة على كاهل رب الأسرة، أو غيره من النفقات الأسرية الضرورية في ظل تزايد متطلبات الحياة الأساسية، فما كان يُعدّ من الرفاه بالأمس أصبح من الضرورة اليوم، هذا إلى جانب ما طرأ ويطرأ من مستجدات لمتطلبات الحياة في عصر يشهد إنجازات وابتكارات لحظية مختلفة في كل يوم نعيشه وكل ساعة نتابع فيها ما تنقله الأنباء والأخبار المختلفة عما يجري حولنا من أحداث وما يبتكره العالم بإبداعاته المتنوعة، والذي يصلنا عبر وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها، والذي ضاعف من المتطلبات والاحتياجات التي تشكلت نتيجة للعولمة والانتشار لكافة المنتجات المادية منها والفكرية، بل والنظرية والتقنية والعلمية المختلفة، وما يتولد عن ذلك من منافسات محلية وإقليمية ودولية في سوق الفضاء المفتوح بمنتجاته المتنوعة وأهدافه المتباينة، والتي يمكن أن تكون وسائل محفزة وداعمة أو مثبطة ومعطلة.

وعليه فإن تمكين المرأة بالقيادة سيسهم بشكل كبير في ارتفاع نسبة التوظيف ونسبة المشاركة في قوة العمل المواطنة في سوق العمل، والتي تنحصر في نسبة مشاركة للمواطنات بـ7.97% فقط من جملة المشتغلين في سوق العمل الوطني في الربع الرابع من عام 2017، وبما يسهم في الحد من نسبة البطالة بين الإناث المواطنات والتي سجلت نسبة (51.52%) من جملة المتعطلين في الربع الرابع من عام 2017، ومما لا شك فيه أن ذلك سينعكس بالطبع على تحسن المستوى المعيشي لكثير من الأسر، والذي سيكون بدوره الوسيلة والأداة للحد من الجهل العام في كثير من القضايا التي لا تقتصر على الجانب التعليمي، لأن وجود المرأة حاضرة في معترك الحياة بنسبة أكبر يمكنها من الوقوف على حقيقة ما يجري في الميدان الوطني العام من مستجدات ومتطلبات تجعلها أكثر وعيا وأعمق نضجا وإدراكا في التعامل مع متغيرات الحياة ومتطلباتها.

ومن خلال تحسن المستوى المعيشي وارتفاع معدل دخل الأسرة يمكن تحقيق مستوى تعليمي أفضل لأفراد الأسرة جميعهم، وبما يتيح لهم خيارات متنوعة ومجالات مختلفة، لمستويات مهنية ووظيفية متعددة في السوق الوطني المنتج، وبذلك ينمو الاقتصاد الوطني وتتنوع القاعدة الاقتصادية بتنوع المنتج وتمَكُّن مقدراته البشرية دون تمييز، فترتفع نسبة المشاركة الوطنية في سوق العمل، وبذلك نبني الوطن بلبنات سعودية وبفكر وطني واعد يتواءم مع متطلبات السعودية الجديدة ورؤية 2030 فيما تتضمنه من برامج ومبادرات تستهدف النهوض بكافة المقدرات الوطنية البشرية والمادية.

ولذا فإن السماح للمرأة بالقيادة لا يقتصر أهميته على كونه قرارا يحقق إنجازا لحقوق المرأة في قيادة المركبة بحد ذاته فقط، إذ لا يمكن أن تختزل أهميته وتداعياته في ذلك البعد الضيق شكليا لمستحقات إنسانية تحد من التمييز ضدها مجتمعيا ومؤسسيا، وإنما يحمل تنفيذ القرار في طياته تقديرا وطنيا واعترافا رسميا وتقبلا مجتمعيا، بما تستحقه المرأة من تسهيلات ومرتكزات داعمة، تمكنها من تحقيق قفزة تنموية وطنية، وتهيئها لتحمّل مسؤولية الانتقال لمرحلة نوعية من الإنجاز التنموي للمرأة بصفة الخصوص وللمجتمع الوطني بصفة العموم، وبما يتضمنه المفهوم المجتمعي الشامل لمكانة المرأة وقيمتها الإنسانية التي كرمها الله بها، وواقعه الفعلي وإفرازاته الوطنية على كافة المستويات.

إن السماح للمرأة بالقيادة سيدفع وسيسهم في التأسيس والتطوير للعديد من الأنظمة والتشريعات الخاصة بالمرأة ومستحقاتها المأمولة، وبما يتناسب مع ما حققته المرأة السعودية من منجزات في المستوى التعليمي والمهني، والذي سيسهم بدوره في تمكين المرأة من المشاركة في صياغة العديد من القرارات الوطنية العامة والخاصة بالمرأة ومتطلباتها وحاجاتها، والتي ما زالت تشكل حجر عثرة أمام تقدم مسيرة المرأة التنموية التي تعتبر جزءا لا يتجزأ من مسيرة التنمية الوطنية ورؤية 2030.

وفي ظل ذلك المردود المتوقع والمستقبل الواعد للمرأة السعودية بما تحصلت عليه من مستحقات إنسانية تحكمها قوانين وضوابط تشريعية رسمية تنظيمية لتأمين إنجازها، كما هو مستهدف وطنيا، لا يمكننا إلا أن نرفع أسمى عبارات التقدير والامتنان لخادم الحرمين الشريفين، وأمير الرؤيا المقدام وفارس التنمية بصورتها الجديدة المعاصرة، الذي استدرك أهمية إطلاق ذلك القرار وما يتبعه من تنظيمات وبرامج ومبادرات مختلفة، كما نهنئ أنفسنا كنساء مواطنات تطلعن إلى صدور ذلك القرار وما يتبعه من تنظيمات وقرارات مرتقبة تخدم استقلالية المرأة واحترام حقوقها، وتسهم في الحد من التمييز ضدها بما لا يتعارض مع تعاليم ديننا الحنيف، وبما يتواءم مع النسق المجتمعي العام الذي استقبل تلك الانطلاقة بالترحيب والابتهاج لكل أخت وأم وابنة ومسؤولة بادرت بالانضمام لقافلة المسيرة الوطنية الجديدة في صورتها المستجدة لتواكب متطلبات العصر والعالم حولنا.