ننتظر بطولة نهائيات كأس العالم كل 4 أعوام بتلهف بالغ جدا، حتى أن كثيرا منا يقرر الذهاب لحضور المباريات ودفع التكاليف والنفقات المترتبة على ذلك، على حساب متطلبات عائلية، وربما أقدم على الاقتراض من البنوك أو شركات التمويل.

قد يبدو الأمر معقولا ومقبولا للوهلة الأولى عطفا على السمعة الكبيرة التي تحظى بها البطولة العالمية لكرة القدم، وهو ما تحرص عليه عبر تسخير الآلات الإعلامية الضخمة حول العالم للترويج للحدث. وهذا بات يحدث بشكل منتظم ومنظم جدا، منذ أن تحولت البطولة من تجمع عالمي اقترحه المحامي الفرنسي رئيس الاتحاد الفرنسي لكرة القدم (جول ريميه)، الذي كان صاحب فكرة إقامة البطولة، والتي حملت الكأس الأولى اسمه تكريما له. وقبل تنظيم البطولة الأولى وانطلاق منافسات كأس عالم بالأوروجواي عام 1930، تم الاتفاق على إيجاد جائزة ثمينة تقدم للمنتخب الفائز بالبطولة، وقد قام النحات الفرنسي هابيل ليفلير بتصميم الكأس الأولى (جول ريميه).

هكذا ببساطة كان الهدف من إقامة هذه البطولة العالمية، أما اليوم فقد تبدلت الأحوال تماما، وأصبحت الأهداف تجارية انتهازية إلى حدود لا يمكن معها تقبل فكرة المشاركة والروح الرياضية وشعارات الرياضة التي يستغلها الاتحاد الدولي لكرة القدم (FIFA)، فقد أصبحت هناك حسابات معقدة جدا عمل على صناعتها الاتحاد نفسه الذي تحول إلى إمبراطورية مالية قوية جدا في العالم، حتى إنه بات يتحكم في كل المجتمعات والدول في العالم على طريقته الخاصة. ولذلك لم تعد بعض المدن ترى ما يغري في استضافة مباريات من البطولة، وقد كشفت تقارير قادمة من عدد من المدن يتم تداولها مؤخرا على نطاق ضيق حول تراجع رغبة تلك المدن في استضافة مباريات البطولة العالمية، حيث أبلغ عمدة مدينة شيكاغو (رام إيمانويل) اتحاد كرة القدم الأميركي والاتحاد الدولي لكرة القدم (FIFA) أن المدينة لا ترغب في استضافة أي من مباريات البطولة، عندما تقام في أميركا الشمالية في عام 2026. والتي سوف تستضيف فيها كندا والمكسيك 10 مباريات لكل منها بينما تستضيف الولايات المتحدة 60 مباراة، وانضمت مدن مينابولس الأميركية التي تقع في ولاية مينسوتا ومدينة فانكوفر الكندية إلى شيكاغو في الامتناع عن الاستضافة. حيث أكدت ليزا بيريه، وزيرة السياحة والفنون والثقافة في فانكوفر بقولها إنه «لا يمكن أن توافق على الشروط التي من شأنها أن تضع سكان المدينة في خطر تحمل تكاليف ضخمة محتملة وغير متوقعة».

ترى شيكاغو أن تكلفة استضافة البطولة أعلى من عائداتها بكثير لأن ما سيتبقى لها هو عدد من الملاعب وبعض التحسينات التي إن قامت بها بدون تجشم عناء الاستضافة سيكون أفضل بكثير، فالاشتراطات الصعبة التي يفرضها الاتحاد الدولي (FIFA) لا تتناسب مع طبيعة الحياة الاقتصادية في المدينة الصناعية الأميركية (شيكاغو)، ناهيك عن ضرورة أن تتخلى المدينة عن فرض ضرائب على قطاعات تجارية معينة، فيما سيذهب كثير من المال إلى جيب الاتحاد الدولي لكرة القدم.

شيكاغو هنا تحسب الأمور بالمليم، فهي لا تحتاج إلى تلميع نفسها أو الحصول على ترويج خاص، فهي مدينة عالمية صناعية مهمة في العالم.

فمثلا ما الذي سوف تستفيده المدن الكبيرة من لعب المنتخبات العربية التي شاركت 46 مرة في كل بطولات كأس العالم ولم تحقق فيها الفوز سوى في 7 مباريات فقط، بحسب المعلق الرياضي التونسي رؤوف خليف، فأي جذب سياحي أو رياضي ستنتظره مدن كبيرة وشهيرة من مثل هذه المشاركات الضعيفة التي يحاول (FIFA) التوسع فيها من خلال نيته رفع عدد المنتخبات المشاركة إلى 48 منتخبا؟!

وأظن أنه بات على الاتحاد الدولي لكرة القدم أن يعيد للعبة روحها وأهدافها التي أقيمت من أجلها، لا أن يصنع للعالم سيركا كبيرا تكلفة دخوله تتخطى المتعة والقيمة الفنية والثقافة التي سيحصل عليها المشارك أو الحاضر لفعالياتها.