لطالما قلت بيني وبين نفسي إن تاريخ مولدي كان ذا دلالة قاسية، فقد كان ذلك عقب هزيمة العرب أمام إسرائيل في حزيران 1967 بعامين، أي 1969، وكنت أردد أنني من إفرازات تلك النكسة التي عاشها كل العرب دون استثناء، إذ لم تكن بعدها الأحوال جيدة على كل الأصعدة، سياسيا واقتصاديا وثقافيا وفكريا.... إلخ

لذلك فالنكبات لا تكاد تفارقنا من عام إلى آخر، وليس غريبا أن يكون الكثير من العرب متشائمين، لكن المستغرب أن يشعر الغربيون بالتشاؤم حيال مستقبل أطفالهم، الذي قالوا عنه إنه لن يكون جيدا كما هي عليه حياتهم اليوم، كما جاء ذلك في تقرير بياني نشره معهد بيو للأبحاث مؤخرا تضمن استطلاعا خلص إلى أن 60% من الغربيين يعتقدون أن أطفال اليوم سيكونون «أسوأ حالًا من آبائهم». وهذا يعني في المستقبل حين يكونون آباء. ويوضح التقرير الأوروبي أن ذلك من شأنه التأثير على الشباب من جهات عديدة أولها تفكيرهم في وظائفهم التي سيخطف التطور التقني عبر الآلات الصناعية جزءا ليس باليسير منها، كما أن المخاوف الاقتصادية وتزايد أعداد المهاجرين والمشاكل الاقتصادية لعدد من البلدان الأوروبية تشكل جزءا مهما من قلق الشباب في أوروبا. أتفق تماما مع نتيجة الاستطلاع لكن على الجانب العربي الذي أعيش يومياته، فالصورة ذاتها تنطبق تماما وبالملي على المستقبل الذي ينتظر الإنسان في منطقتنا، فالحروب والصراعات الحالية لا تبشر بأي خير ولا تعبر عن إمكانية توقع نتائج جيدة لمستقبل قادم، ناهيك عن أن المنطقة مستهلكة وليست صانعة أو منتجة لكثير من الاحتياجات. بالعربي لقد تحولت من متشائل إلى متشائم جدا، وأفكر كثيرا في الهجرة بعيدا عن الوطن العربي الذي تحول إلى بيئة طاردة بامتياز.  أتذكر جيدا الزمن الذي قرأت فيه رواية المتشائل للروائي الفلسطيني الساخر الفاخر إميل حبيبي، وجاء الوقت لينهار الجزء المعني بالتفاؤل المزيف الذي تشكل في وجداني وأغراني ذات قراءة.

هذه الرواية صنعت فينا شيئا من التردد والانتظار ومماطلة الحياة، في بعض جيلي على الأقل، مما أفرز حالة من الأدب المرتبك بين ما نريد وما ننتظر، بين الأمل ووحشية زنازين المعتقلات.!

التشاؤم حالة تنتج عن تراكم خيبات كثيرة في اتجاهات كثيرة أيضا، وهي حالة مرعبة أظنها تسيطر على نفسيات كثير من المواطنين العرب في وقتنا الحالي، فالحروب الطاحنة في أكثر من قطر عربي ترفع أسهم حضورها وتدعمه إلى أقصى ما يمكن. وعطفا على معرفته بأن التنمية والتقدم الحضاري لم تكونا موجودتين بنصف طاقاتهما في بلاده، فهو الآن واثق جدا من أن وجودها سيحتاج إلى عقود وذهاب أجيال بأكملها.

إذا كان الاستطلاع الأوروبي يرى المستقبل متشائما بهذه النسبة العالية 60% فما عسانا نقول في الوطن العربي، وإلى كم من المتوقع أن يرتفع الرقم إذا أضفنا إليها قصة خروج كل المنتخبات العربية التي رسمنا آمالا عريضة عليها لإزاحة قليل من همومنا، من الأدوار الأولى لكأس العالم؟، لكنها على الأقل كانت لحظة تفاؤل ساخرة على الرغم من يقيننا بأن لا شيء من أحلامنا للذهاب بعيدا في البطولة سيتحقق! إن الواقع يحرمنا حتى من هذه الأحلام الصغيرة بكل أسف.

المشكلات الاقتصادية في الغرب أهون بالتأكيد من مأساتنا، ويمكن بالعادة الوصول إلى حلول ناجعة لها تستمر لعقود، أما نحن فالعادة جرت لدينا على انتظار الحلول بدلا من البحث عنها، كما أننا أيضا لسنا بلدانا منتجة أو صناعية، ونفتقر إلى وجود الصناعات الثقيلة والذكية، مثل صناعة الحديد والصلب والسيارات والقطارات والطائرات والأجهزة الذكية من الروبوتات والهواتف النقالة والكمبيوترات، وهي الصناعات التي تصنع الفارق في أية أمة وجدت فيها. وأظن أن على الحكومات العربية القوية أن تؤكد دوما على المغامرة والخروج من نمط السياسات القديمة، ووضع شكل المستقبل الليبرالي دائما نصب عينيها تعليما وتدريبا. والأكيد أن السياسيين العرب في أيديهم الكثير ليقوموا به من أجل تغيير الصورة القاتمة عند كل عربي متشائم جدا مثلي. الحمد لله أن ليس لدينا مراكز أبحاث واستطلاع موثوقة بحجم مركز بيو، وإلا لازدادت أحزاننا وطفحت معدلات تشاؤمنا.