تمثل الآليات الحقوقية الدولية التابعة للأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان والحريات الأساسية أدوات رئيسية تؤدي أدوارًا بالغة الأهمية في عالم اليوم، من واقع تأثيرها على صناع القرار في المجتمع الدولي، وتشكيل وتعبئة الرأي العام العالمي. ورغم انصراف بعض المنظمات الدولية عن دورها الأساسي إلى قضايا سياسية بعيدة عن الأهداف التي أنشئت من أجلها، إلا أن ذلك لا يلغي - بطبيعة الحال – أهميتها أو ينفي تأثيرها المتعاظم، ومع أن مهمة كثير من تلك المنظمات لا تتجاوز دائرة التوصية أو إصدار البيانات، إلا أن ذلك يسهم في تكوين عناصر اتخاذ القرار لدى المؤسسات الدولية التي تحكم العالم مثل الأمم المتحدة والدول الكبرى ويضع ضغطا كبيرا عليها، لذلك تبقى مهمة تصحيح مسارها مسؤولية مشتركة ملقاة على عاتق الدول الأعضاء والجهات الحريصة على أداء تلك المنظمات لأدوارها المحددة.

ظلت المملكة العربية السعودية طوال تاريخها حريصة على دعم تلك الآليات والمساهمة في تمويلها، وتقديم كافة أنواع الدعم لها، ورغم الهجمة المغرضة التي تعرضت لها بلادنا في الفترة الماضية من بعض المنظمات، بدوافع سياسية، تقف وراءها دول معروفة وجهات معينة، إلا أن ذلك لم يثنها عن التعاطي الإيجابي مع المؤسسات الدولية، وسعت في كثير من الأحيان إلى تصحيح الأفكار الخاطئة التي يحاول البعض ترويجها عن المملكة، ويدمغها بما ليس فيها، وأثبتت بالدليل القاطع عدم صحة تصورات كثيرة يحملها البعض عن بلادنا، بفعل آراء خاطئة لم يحاول أصحابها التأكد من مصداقيتها، بعد أن وقعوا ضحايا لحملات التضليل والتشويه.

ورغم قلة الكوادر السعودية التي عملت أو ما زالت تعمل في هيئات ومنظمات الأمم المتحدة أو تشارك في مؤتمراتها وندواتها، إلا أنهم لعبوا دورا كبيرا خلال الفترة الماضية، وقدموا عطاء كبيرًا ومتميزًا، وأثبتوا كفاءتهم وقدراتهم في تمثيل بلادهم خير تمثيل، وفي عكس الصورة الصحيحة عنها، لذلك فإن من الحكمة أن يتم دعم هؤلاء وحثهم على مواصلة السير في هذا الاتجاه، ولو أدى الأمر إلى تفريغهم من وظائفهم الأساسية. كما أنه من المهم في هذا الإطار أن نكثف من السعي إلى إيجاد كوادر جديدة من أبنائنا الذين نالوا تعليمًا متقدمًا في أرقى الجامعات المحلية والعالمية، وأن ندعم قدراتهم العلمية بزيادة رصيد خبراتهم العملية، ومن ثم ترشيحهم لعضوية المنظمات والهيئات الإقليمية والدولية، لنضمن وجود أجيال قادرة على القيام بذلك الدور الكبير في إنشاء حائط صد متين، يرد عن المملكة غوائل المتجاوزين، والعمل على إيضاح الوجه الحقيقي للمملكة، وتفنيد مزاعم المغرضين، وتصحيح الصورة النمطية السلبية التي يحملها البعض، وتأكيد قدرة الكوادر السعودية في الإسهام الحقيقي لما فيه خير البشرية جمعاء، فإذا كان البعض يجتهد في إلصاق التهم بنا، ورمي بلادنا بما ليس فيها، بدوافع تحركها أجندة سياسية ونزعات عدوانية، فإن من الحكمة أن نتحرك ونتخذ خطوات استباقية تقطع الطريق على أولئك المضللين، وأن نقدم الأدلة التي تثبت حقيقة مواقفنا، بدلا من الاكتفاء بالوقوف في موقف المدافع الذي يصد عن نفسه التهم ويدرأ الهجوم.

خصوصًا وأن بلادنا تملك رصيدا إنسانيا كبيرا لا يخفى على أحد، فالسعودية هي رائدة العمل الإنساني في العالم بشهادة الأمم المتحدة، ولعبت وتلعب دورًا رئيسيًا في دعم كثير من الدول التي تعرضت لكوارث طبيعية مثل الزلازل والفيضانات والمجاعات، كما توسطت في حل كثير من المشكلات العالمية مثل حرب لبنان، وسعت إلى إيجاد الحد الأدنى من التوافق بين الفلسطينيين، ولها دور رئيسي في الحرب ضد الإرهاب، واستطاعت في هذا الإطار تحقيق نجاحات غير مسبوقة، ومن تلك الجهود تأسيس المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف «مركز اعتدال»، وهو مركز عالمي مهمته مكافحة التطرف واجتثاث جذوره، والذي تم تدشينه في الرياض على هامش القمة الإسلامية الأميركية التي عقدت بالمملكة العام الماضي، كذلك فإن التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن يلعب دورا بالغ الأهمية – نيابة عن العالم أجمع في التخفيف عن الشعب اليمني التبعات السلبية التي خلفها الانقلاب على الشرعية من قبل الميليشيات الحوثية المدعومة من إيران، وتسهم المملكة مع كثير من دول العالم في تقديم الدعم الإنساني اللازم لكل فئات الشعب اليمني.

خلاصة القول هو أننا يجب أن نتحرك بمزيد من التركيز نحو إحلال كوادرنا الوطنية في المنظمات الإقليمية والدولية، ونشجع الجمعيات المرخصة بتنشيط وتعزيز أدوارها الخارجية في المحافل الدولية وخاصة مجلس حقوق الإنسان، وأن نرغم الآخرين على سماع صوتنا، ومعرفة مبرراتنا، وهذا من أبسط حقوقنا، ما دامت تلك الكوادر والجمعيات مؤهلة وقادرة على القيام بدورها، فمن لا يستطيع التعبير عن نفسه وتفسير وجهة نظره لن يجد من يتفهم دوافعه، ومن لا يملك القدرة للحصول على حقه بمجهوده، لا يستحقه.