هناك العديد من الدراسات والأبحاث العلمية التي تنظر لعلاقة المحتوى الإعلامي (بما في ذلك المتواجد في ألعاب الفيديو) بمعدلات الانتحار، خصوصا بين الأطفال والمراهقين والأشخاص الضعفاء. فعلى سبيل المثال، عند موت الممثلة الأميركية «مارلين مونروا» في السبعينات متأثرة بجرعة زائدة من الأدوية تم رصد ارتفاع بمعدلات الانتحار بالأدوية في أميركا بنسبة تقدّر بـ12%. وحتى قبل ذلك بكثير رصدت أمور مشابهة، ففي القرن الثامن عشر وجد أنه عندما تم نشر رواية جوتيه «The Sorrows of Young Werther» قام الشبان -الذين يعانون «حمى فيرثر»- بالانتحار، بالطريقة نفسها التي انتحر بها بطل الرواية، مما جعلها إحدى الروايات الأولى عن حالات الانتحار الذي يحاكي انتحارا منشورا في وسيلة إعلامية. وقد تم نشر عشرات الأوراق العلمية حول تأثير قصص الانتحار المتداولة افتراضيا في الإعلام على معدلات الانتحار في الواقع، حيث وصلت بعض الدراسات إلى أن هناك زيادة في الانتحار بعد قصة انتحارية حظيت بتغطية إعلامية واسعة النطاق، ولكن (النقطة الأهم) ليست النتائج دائما تتهم الإعلام أو تنظر له كمسبب في الانتحار على الإطلاق. أحيانا قد يشاهد الانتحار في الإعلام بكثافة، ولا يتسبب ذلك بزيادة معدلات الانتحار، والحقيقة أن أي بحث يكتفي بالنظر للإعلام وحده كمسبب للانتحار هو بحث ركيك ونتائجه العلمية غير مرضية. إذا أردنا اتهام الإعلام أو ألعاب الفيديو بالتسبب في انتحار طفل أو شخص ما فهناك أربعة معايير ينبغي وضعها في عين الاعتبار:

أولا، ما الأدلة الدامغة على وجود تأثير تقليدي أو محاكاة، هل يقوم المنتحر بتقليد الانتحار في وسائل الإعلام؟

ثانيا، كيف يمكن تفسير هذا التقليد؟ ما النظريات الرئيسية التي استخدمت في شرح الانتحار وتعليله؟

ثالثا، ما التعميمات العلمية التي يمكننا بناءها من الدراسات الحالية من خلال التحليل؟

ورابعا، تتم مناقشة الآثار المترتبة على البيانات التي يتم توجيهها، والإرشادات المتعلقة بالانتحار المعروض في وسائل الإعلام وألعاب الفيديو لأغراض الوقاية من الانتحار مستقبلا.

إن الانتحار إذا نظرنا له كنتيجة لاضطراب نفسي يصيب الشخص، يعد أحد الجوانب الأقل فهمًا للسلوك البشري. مواقفنا الثقافية والاجتماعية كبشر تجاه الانتحار والمنتحرين تتسم بالسلبية ومحاطة بالاتهامات واللوم للضحية ومن حوله، وتفتقر في معظم الأحيان للتفهم أو حتى التعاطف. ينظر للانتحار كجريمة، والمنتحر يصنف كمجرم في بريطانيا، وكان أي منتحر لا يفلح في قتل نفسه بشكل كلي يعاقب بالسجن تماما كما لو أنه حاول قتل شخص آخر حتى عام 1961. ودينيا، لم تكن الكنيسة ترحب بجثث المنتحرين في مقابرها، بل ينفون لأبعد المقابر، وربما يدفنون عند مفترقات الطرق. ورغم أن الانتحار لم يكن في أي مكان في العالم سلوكا مقبولا، اجتماعيا أو ثقافيا أو دينيا، إلا أنه ما زال يشاهد ويمارس، وبالتالي فالأفضل معياريا هو إحاطته علما من النواح النفسية/ الصحية والإعلامية/ الثقافية كمحاولة لفهمه وتقليصه.

وإحدى الوسائل لحل إشكالية الانتحار بين الأطفال أو المراهقين أو البالغين، هي رصد العوامل التي تعطينا انطباعا بأن هذا الشخص يخطط للانتحار، وهي ما تسمى بعوامل الخطر الديموجرافية. الجدير بالذكر أنه ما زال من غير الممكن تمييز عوامل الخطر الديموجرافية لدى الشخص المنتحر وعامة الناس، مما يجعله من غير المنطقي لوم عائلة المنتحر على إهمالهم ذلك أنه سلوكيا يصعب تمييز تصرفات الشخص الذي يخطط للانتحار من أي شخص آخر. وتبقى الأبحاث الرامية إلى توجيه المختصين أو الأسرة أو المعلمين حول التعامل بأفضل شكل مع المنتحرين محدودة في نتائجها. ما قد يكون مفهوما بشكل أفضل هو أن الإعلام يستطيع التوعية بهذه الإشكالية لجميع الناس على حد سواء، بمن فيهم المخططون للانتحار. ولكن تصوير الانتحار بشكل كلي ومباشر كما حدث في مسلسل «نتفلكس» الشهير «13 Reasons Why» لا يعد وسيلة للتوعية، لأن مثل هذه المشاهد الدموية لشخص يقتل نفسه لا تسهم في مساعدة أي مشاهد، ولا ينظر لها كنوع من التوعية علميا. التوعية الإعلامية بالانتحار تكون بشكل ناعم، عن طريق صناعة محتويات تحل مشكلات قد تدعو المنتحرين للانتحار، مثل التحرش الجنسي والاغتصاب، المثالية الاجتماعية الزائفة، الماديات، الإحباط العاطفي، الوحدة، الحزن. كل تلك قضايا مهمة ومصيرية ونحتاج لطرحها في الإعلام بشكل مهني ومدروس، والأهم أنه يقنع المتلقي أنه ليس الوحيد ممن يعايش تلك الأمور، وهناك حلول لما يعايشه أو تعايشه. ينبغي ألا يستعرض الانتحار في الإعلام أو في الألعاب كحل لأي من تلك المشكلات وغيرها، وهذا العيب في المحتوى شوهد في لعبة «الحوت الأزرق»، وشوهد أيضا في مسلسل نتفلكس الذي سبق ذكره «13 Reasons Why»، حيث تم تقديم الانتحار كما لو أنه الحل لمشكلة البطل. باختصار، قد يكون من غير السليم علميا القول «الإعلام أو لعبة الفيديو تلك تسببت في الانتحار»، وأيضا ليس من السليم علميا لوم والدين الضحية على ما لم يكونا على دراية به، ولكن من السليم علميا (إعلاميا) القول إننا بالإعلام نستطيع صناعة محتويات إعلامية تسهم في التوعية بمشكلات اجتماعية وعاطفية قد تتسبب في انتحار شخص ما.