في هذا العصر الذي قرّب البعيد وأبعد -إلى حد ما- القريب، تداخلت دوائر الأثر والتأثير بشكل كبير، حتى أصبح ما يقوله أحد المؤثرين -عبر حسابه في أي من المنصات الاجتماعية- جزءا من عوامل التربية والإصلاح، أو جزءا من معاول الهدم.

قد نختلف حول تعريف المؤثر، ونقضي وقتا طويلا في تصنيف محتوى ما يقدمه بعضهم إلى جيد ورديء، لكن ما نتفق عليه هو قوة تأثر متابعيهم بما يقولونه وما يروجون له من أفكار وتوجهات.

بعضهم يؤدي شكر هذه النعمة بتمرير أفكار بنّاءة، وتوجيه رسائل مقبولة، وتوجيه طاقات متابعيه إلى القيم والأخلاق والإنتاج، لكن هناك قلّة لا يستهان بصوتها العالي وشعبيتها، تشارك -إمّا بعلمٍ منها أو بجهل لا يليق بها- في صناعة أو تكريس الجهل أو مكوناته، والشواهد تتكاثر كفطرٍ سامٍ يؤذي ولا ينفع.

الكلمة التي يقولها المؤثر تسافر طويلا أبعد مما يتخيل، قد تستقر في عقل ناشئ، ويبني عليها قناعات يمارسها لاحقا في حياته، لا لشيء إلا لأنه سمعها ممن يغلِّف طرحه بالمزاح السخيف، ويتحدث بثقة الخبراء.

وفي الوقت الذي ألوم فيه التعليم على غياب منهج التفكير النقدي، الذي يجهز أبناءنا لتفنيد ما يتلقونه عبر وسائل الإعلام والتواصل المختلفة، أطلب كذلك من وزارة الإعلام وقنواتها بكل وضوح، أن تراقب محتوى من ابتلينا بهم سواء عبر القنوات أو من المشاهير، ممن يملؤون الفراغ بأي شيء، ويشاركون كل شيء حتى هواجسهم الخالية من المنطق.

في المقابل، وعلى سبيل إيقاد شمعة الأمل، هناك من يضيء عتمة السبيل لغيره بإرشاده إلى آليات الحياة وتوعيته بأسلوب عملي لما يتوقع منه، وما يجب عليه للوصول إلى برّ النجاح والأمان، وهؤلاء هم الأنموذج الذي يُحتذى ويعوّل عليه في بناء الوعي الجمعي، بحول الله، وربما عتبي الوحيد على هؤلاء المشعّين بالجمال، هو عدم حرصهم على الظهور في الوقت الذي يحتاج إليهم مجتمعنا الذي يعبر قنطرة التغيير بسرعة بالغة.

ليت المنابر الإعلامية تُمنَح فقط لمن يستحقها لا من يلاحقها، فربما لو علمت الأضواء بضحالة فكر بعض المجتهدين في احتكارها لامتنعت عن العمل.