يعتبر مفهوم الابتكار والمبادرات من المفاهيم المتداولة بشكل كبير في الوقت الراهن، وعلى جميع المستويات، وهو ما تتسابق إليه جميع القطاعات والمؤسسات الحكومية والخاصة في المجتمع، لأنه مرتبط بشكل أساسي بالمستقبل الذي نسعى إليه، والذي نريد أن نرسمه لأنفسنا ولأبنائنا، وبما أن المفاهيم تحوي في مضمونها جانب التغيير سواء التغير التراكمي أو التغير الأكثر جذرية، وهو ما يجعله في صراع مع العقليات التي لا تريد التغير، فالمبدعون والمبتكرون وأصحاب المبادرات هم من يغيرون نظرتنا حول أنفسنا بداية وبالتالي حول العالم، وهم من يغيرون طريقة دراستنا وما نقرأه.

أصحاب الابتكار وصانعو المبادرات يجعلون المستقبل مختلفا، فهم يؤثرون على العقليات المحيطة بهم وعلى البيئة التي نشؤوا بها، فالأفراد والشركات ذات التفكير المتقدم تدرك أن التعليم والعمل الجاد بالإضافة إلى التواصل الاجتماعي عبر الشركات العالمية أحد أهم العناصر الأساسية لصناعة المستقبل، فلقد كتب داركر كتابا بعنوان

 the next society بين أن «زرع الابتكار في المؤسسات التقليدية لا ينجح»، وبالتالي سيكون العمل بطرق تقليدية سواء للأفراد أو المؤسسات، حتى وإن كنت مقتنعا بطريقتك، فلن تصبح شركة أو مؤسسة أو فردا مبتكرا ورائدا، فإن لم يكن لديك القدرة على تنفيذ الابتكار والمبادرة فسوف يصبح السؤال أين تجد هذه القدرات، وهل ستتمكن مع فريق العمل الذي يعمل معك أن تكون محركا لأفكارهم وأفعالهم.

هذا ما نحتاجه فعلا في وقتنا الراهن مع أبناء وبنات مجتمعنا المليء بالأفكار والمبادرات والابتكار، نريد فقط أن نستمطر هذه الأفكار ونخلق لها بيئة لكي تنمو وتتحرك بين أروقة القطاعات، وألا نعتمد على الأساليب التقليدية حتى وإن كانت ذا منفعة فلا بد أن نقود التغير، وألا نكون له تابعين، فاليابان وألمانيا والصين وأميركا تتسابق لقيادة العقول من خلال المبادرات والابتكار الذي يجعل المجتمعات تنقاد خلفها.

لقد بين مؤسس شركة brand velocity,inc الاستشارية جاك بيرجستراند أن هناك وصفة للابتكار مكونة من ثلاثة أجزاء تسهم بشكل كبير في خلق بيئة لبناء الابتكار والمبادرات، وهي

أولا: توقف عن فعل ما لا ينجح وأن تعيد حساباتك للأعمال التي قمت بها سواء على المستوى الفردي أو على مستوى القطاعات العامة أو الشركات، وإذا رأينا ما حولنا وما يحصل في المجتمع وبوتيرة سريعة جدا نجد ما تقوم به مؤسسات الدولة من إعادة الهيكلة لبعض القطاعات، ومحاولة إيقاف ما تعتقد أنه لا يجدي نفعا، مستندة على دراسات علمية في ذلك، نجد أنها تفكر بعقلية الريادة والابتكار للأمور المهمة، فالمهمة لمصلحة الوطن والمواطن.

 ثانيا: ابن على نقاط قوتك بمعنى أنه لديك نقاط قوة حاول اكتشفها واستثمرها لصالحك، فالمملكة لديها المكان ولديها الموارد والطاقة ولديها العنصر البشري وأيضا لديها الإرادة، ولعل المشاريع العالمية العملاقة التي أعلنت عنها خلال الفترة الماضية على سبيل المثال لا للحصر (نيوم – البحر الأحمر – الجدية) أكبر دليل على استغلال نقاط القوة لدينا، فنحن نملك الكثير من نقاط القوة سواء على مستوى الأفراد أو المؤسسات أو الشركات، ما نريده فقط هو معرفة نقاط القوة، ومن ثم رسم منصة الانطلاقة وبناء الطاقات وتدريبها واستثمارها لنجني ثمار ذلك في المستقبل.

 أما الجزء الثالث فهو قم بشيء جديد: لا تقم بشيء تقليدي، وإنما قم بشيء مرتبط بالجانب الخيالي ومرتبط بعناصر قوتك، ولعلنا نستذكر مقولة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان حين قال إن مشروع «نيوم» ضخم جداً، وهو للحالمين فقط، قائلا: «لا مكان لأي مستثمر أو شركة تقليدية في هذا المشروع، بل لكل فرد حالم يريد أن يخترع شيئا جديدا في هذا العالم». إذن الحلم هو طريق الابتكار والريادة فعندما تكون القيادة صاحبة المبادرة الكبرى فسيكون المجتمع مصانع للابتكار والتطور اللامحدود.