إذا أردت أن تحارب حضارة فما عليك إلا أن تزرع الطائفية أو العنصرية وهي كفيلة بتحويل تلك الحضارة إلى أثر بعد عين. والعنصرية تجعلنا لا نقول الحقيقة ولا نعدل في الأحكام، ولا نعطي الناس حقوقها، بل قد تكون سببا في الجور والظلم. فالعنصرية تجعل العقل منغلقا على نفسه، ورافضا لروح التسامح والاعتراف بالصواب والخطأ. وفي التاريخ عظات وعبر، فيروى أن أبا جهل كان عارفا بأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- هو نبي الله ورسوله، ولكن عدم الاعتراف بنبوته كان عنصري المنشأ، (فقد سأل المسور بن خرمة خال أبي جهل عن حقيقة النبي محمد، فقال، يا خالي هل كنتم تتهمون محمدا بالكذب قبل أن يقول ما يقول، فقال يا ابن أختي والله لقد كان محمد فينا وهو شاب يدعى الصادق الأمين، وما جربنا عليه كذبا قط. قال فما لكم لا تتبعونه؟ فقال يا ابن أخت تنازعنا نحن وبنو هاشم الشرف فأطعموا وأطعمنا وسقوا وسقينا وأجاروا وأجرنا حتى إذا تجاثينا على الركب كنا كفرسي رهان قالوا منا نبي!! فمتى يكون لنا ذلك؟).

ويمكن تعريف العنصرية بأنها أفكار ومعتقدات وقناعات بناء على أمور موروثة مرتبطة بقدرات الناس وطبائعهم وعاداتهم، وأحيانا تعتمد على لون البشرة والجنس، ومكان السكن واللغة والمعتقد. وتعطى لتلك الفئة العنصرية الحق في التحكم بالفئات الأخرى وتحديد مصائرهم وسلب حقوقهم.

والتمييز العنصري في المجتمعات يكون من خلال الطرق المباشرة، وذلك باحتقار الشخص الآخر والتقليل من قيمته وحقوقه، أو بطرق غير مباشرة يتم من خلالها فرض أنظمة وقوانين لفئة دون أخرى. ويمكن أن نطلق على تلك الطرق المباشرة وغير المباشرة مسميات التمييز الفردي والتمييز القانوني والتمييز المؤسسي، ومن أمثلة التمييز المؤسسي اختلاف واجبات وحقوق المرأة عن الرجل. والذي يسمى في بعض الدول بتمييز الطبقات.

ونعيش حاليا فترة غير مسبوقة في محاربة العنصرية من خلال سن القوانين التي تحاربها وتعاقب من ينهجها، كذلك لا نغفل دور الإعلام الذي يجب عليه أن يلعب دورا إيجابيا في محاربة العنصرية. كذلك فإن تفعيل مهام حقوق الإنسان سيكون له دور أعظم في محاربة العنصرية والتمييز الطبقي والمؤسسي والطائفي.

ورغم أن العنصرية نالت من الكثير من المجتمعات، إلا أنها تقهقرت أمام المجتمعات التي عملت على إيجاد حلول حقيقية للتخلص منها. واستطاعت تلك المجتمعات بناء أمجادها بعد أن آمنت بالمساواة، وأيقنت أن التفوق ليس حكرا على فئة دون غيرها. فصهرت جميع الإمكانات لجميع الطبقات لترسم طريقها إلى الحضارة.

وأخيرا وطننا في خطر، والمتربصون كثر وفي الجوار عظة وعبرة، وما يذهب لا يعود، والصحوة خير من الحسرة والتباكي، فهل من أمل أن نتنازل عن عُنصريتنا، وأن نهْجُر تشدُّدنا، وأن نصادر أفكارنا المريضة، وأن نُحَكِّم عقولنا ليجمعنا (حب وطن).