إذا أراد الإنسان أن يتحدث عن الأمير نايف بن عبدالعزيز، رحمه الله، فإنه لا يدري من أين يبدأ؟ أمِن حكمته واتزانه، أم من صدق ديانته وأمانته، أم من جهاده وتضحيته في سبيل دينه ووطنه، أم من نصرته للحديث النبوي، والذي وضع لحفظه جائزة يرعاها بنفسه، أم عن دفاعه عن السنة، حتى وصفه الناس بـ«أسد السنة»، أم من خبرته وإحاطته في الحركات والتيارات، أم من كرمه وطيبته، أم.. أم.. إلخ.

هو البحر من أي النواحي أتيتَه، فلجتُه المعروف والجود ساحله، وقد جعل الله له القبول في الأرض عند أهل الإسلام، فأحبه الناس كلهم، إلا مُنافقا معلوم النفاق، ولهذا ترتفع الأيدي إلى السماء تدعو الله له بأن يسكنه الفردوس الأعلى من الجنة، سمعت خطيبا من كبار السن يقول والله ما تركت الدعاء للأمير نايف قط، لا سيما في يوم الجمعة وجوف الليل، إذا تحدث -رحمه الله- يأخذ بمجامع القلوب، حتى إن المستمع يقول ليته يستمر في الحديث، أما فهمه وإحاطته بالجماعات والحركات، فلم أر له نظيرا قط، تشرّفتُ أن قابلته مع ثلاثة من الزملاء في مكتبه في جدة، وكان الوقت المقرر للقاء نصف ساعة، فدخلنا عليه الساعة التاسعة مساء، فاستمتعنا بحديثه العميق الموزون، ثم تحدَّث عن الجماعات والحركات والتيارات، فظننتُ أن عندي ما يمكن أن أقوله في هذا الموضوع بحكم عملي وتخصصي في العقيدة والمذاهب المعاصرة، ولكن ما إن تحدّث الأمير عن تلك الجماعات والحركات والتيارات ونشأتها وأصولها ورموزها وأهدافها وتقاطعاتها، وفيما تجتمع، وفيما تختلف، إلا وتيقنت أني لا أعرف شيئا، وعلمتُ أنني أمام أعظم أستاذ أراه في حياتي في هذا التخصص، فلم أتكلم بشيء اللهم إلا جوابا عن سؤال، وتمنيت لو استأذنت سموه لأكتب تلك المعلومات القيمة، ومن حسن الحظ أن اللقاء استمر ثلاث ساعات، فلم يُنْهِه الأمير إلا في الساعة الثانية عشرة مساء، فكان لقاء علميا وفكريا ماتعا، رحمه الله.

واليوم وبلادنا تتعرض لاستهداف ظالم ومُعلَن، أرى أن من الأهمية بمكان معاودة التذكير بوصية سموه للشعب السعودي، وهي وصية ذهبية، قالها مرتجلا، لكنها عميقة المعنى والدلالات، قال رحمه الله: «خدمت هذا الوطن.. بلدي في عهد الملك عبدالعزيز، والملك سعود، والملك فيصل، والملك خالد، والملك فهد -رحمهم الله جميعا- والآن الملك عبدالله بن عبدالعزيز، أسأل ربنا له التوفيق والسداد، وأن يعينه بأخيه صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز ولي العهد. أقولها بكل وضوح وصراحة، نحن مستهدفون في عقيدتنا، نحن مستهدفون في وطننا.. أقولها بكل وضوح وصراحة، لعلمائنا الأجلاء، وطلبة علمنا، ودعاتنا، والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، وخطباء مساجدنا.. دافعوا عن دينكم قبل كل شيء، دافعوا عن وطنكم، دافعوا عن أبنائكم، ودافعوا عن الأجيال القادمة. يجب أن نرى عملا إيجابيا، ونستعمل كل وسائل العصر الحديثة لخدمة الإسلام، ونقول الحق، ولا تأخذنا في الحق لومة لائم، لنستعمل القنوات التلفزيونية، ونستعمل الإنترنت.. وأنتم كل مرة تقرؤون ما فيه، وتعلمون ما فيه.. أرجو من الله -عز وجل- لكم السداد والتوفيق».

أرجو أن يوفقنا الله للعمل بمقتضى هذه النصيحة الصادقة، من هذا الأمير الصادق نايف بن عبدالعزيز، وأن يجزيه عنّا خير الجزاء، فقد أدى الأمانة بكل صدق وحكمة طوال حياته إلى أن اختاره الله لجواره، كما أسأل الله أن يوفق ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان، لكل خير، وأن يسبغ عليهما نِعَمَه ظاهرة وباطنة، فهما يبذلان جهدا كبيرا في نفع البلاد والعباد.