مرة أخرى، عاد نظام الدوحة إلى ترديد أسطوانته المشروخة، وأكاذيبه المستهجنة، ومزاعمه المرفوضة، بادّعاء وجود صعوبات تحول دون قدرة القطريين على الوصول إلى الأراضي المقدسة وأداء فريضة الحج، وكرّر دعوته إلى المنظمات الدولية للتدخل، في محاولة مفضوحة سافرة لتسييس هذه الفريضة التي جعلها الله موسما للغفران والتسامح بين المسلمين، مما جلب عليه سخط مواطنيه، واستهجان الدول العربية والإسلامية، بل حتى إن مسؤولي الدول الغربية الكبرى، أبدوا استغرابهم مما يكرره نظام الحمدين، بعد أن شهدوا بأنفسهم حجم التسهيلات التي تقدمها المملكة لكل ضيوف الرحمن، دون اعتبار لأي حسابات سياسية أو علاقات دبلوماسية. وإن كان الحق ما شهدت به الأعداء -كما يقولون- فإن النظام الإيراني -رغم حدة الخلافات السياسية التي بينه وبين بلادنا- أقر بتلك التسهيلات، وبالمعاملة الحسنة الكريمة التي يتمتع بها الحجاج كافة.

النظام القطري -وبسبب ضعف الخبرة السياسية لحكامه، وضيق الأفق- يظن أن مثل هذه الدعاوى تمثل كيدا سياسيا يخدمها في إطار الخلاف المتصاعد بينها وبين دول المقاطعة الأربع، التي رفضت سياساته الداعمة للإرهاب، وتمسّكت بتعديل الدوحة سلوكها، والكف عن التدخل في شؤون دول الجوار.

ولم يَدْرِ نظام الحمدين أنه يضرّ نفسه وبلاده بتلك الدعاوى المهترئة التي تخصم من رصيده، حتى أمام شعبه. فكثير من القطريين المنصفين باتوا على ثقة أن الأمر لا يعدو أن يكون افتعالا لأزمة في غير مكانها وغير أوانها، ويعضّد رؤية هؤلاء ما صرّح به إخوتهم الذين عادوا إلى بلادهم، بعد أن أدّوا الفريضة العام الماضي، فقد حلّوا ضيوفا كراما على خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وتمتعوا بكل ما تمتع به بقية الحجاج، إلا أن نظام بلادهم الذي يسعى إلى إثارة الشكوك واختلاق المشكلات، لم تُرضِه تلك الشهادات النزيهة، وساءه أن تخالف ادعاءاته الكاذبة، فأقدم على احتجاز أصحابها والزج بهم في السجون، بل إن كثيرا منهم تعرضوا للضرب في الشوارع، على غرار ما شاهده الجميع على وسائل التواصل الاجتماعي.

لم يسعف ضيق الأفق السياسي وغياب الحكمة حكام قطر على استيعاب أن التاريخ لم يسجل، منذ قيام الدولة السعودية، أن هذه الفريضة تعرضت للتسييس، أو أن أحد الحجاج شكا من سوء معاملة أو ضياع حقوق، بل إن احترام الحجاج ومنحهم الأولوية، وتقديم كل أشكال الدعم هو تقليد راسخ لدى الشعب السعودي، تحرص عليه حكومته التي تتمسك بذلك، وتعدّ سلامة الحجاج وأمنهم وراحتهم خطّا أحمر لا يجوز بأي حال المساس به.

وما علم أصحاب الدعوات المغرضة أن المملكة التي قامت على كتاب الله، ويفتخر ملوكها بلقب «خادم الحرمين الشريفين»، تحرص على أن يظل ركن الإسلام الأعظم بعيدا عن التجاذبات والتراشقات السياسية، وتنزهه عن أي اعتبارات دنيوية.

ومما يدل على بعد نظر حكام هذه البلاد، أنه خلال العام الماضي، ورغم استضافة الملك سلمان بن عبدالعزيز للحجاج القطريين، فإن المخيمات التي كانت مخصصة لحجاج دولة قطر -كما هو الحال في كل عام- والتي تستوعب أكثر من 2400 حاج، وتمتد في مشعر منى على مسافة تتجاوز 4 آلاف متر مربع، تم استكمال فرشها وتأثيثها وتمديد توصيلات الكهرباء والمياه والصرف الصحي لها، حتى ثلاجات حفظ الأطعمة ومياه الشرب كانت موضوعة في أماكنها، ليشهد الحجاج من جميع أنحاء الدنيا على ذلك، ومن أصدق من ضيوف الرحمن شهادة؟

ولتأكيد كذب الرواية القطرية أمام العالم كله، فإن السلطات السعودية أعلنت أكثر من مرة، وعلى ألسنة مسؤولين رفيعي المستوى، ترحيبها التام بحجاج دولة قطر، من أي مكان أتوا، وبأي وسيلة وصلوا، حتى من مطار الدوحة نفسها، وباستخدام أي خطوط طيران، ما عدا الخطوط القطرية، مؤكدة أن المملكة -حكومة وشعبا- تفتح قلوبها قبل أذرعها لأبناء الشعب القطري الشقيق، الذي يكنّ له السعوديون كافة مشاعر الحب والتقدير، ويرحبون به على الدوام، انطلاقا من وشائج القربى وصلات الدم والمصاهرة التي تجمعهما، والتي لا يريد نظام الحمدين إلا إضعافها، خدمة لمصالح بعيدة كل البعد عما يجمع أبناء الخليج العربي.

الطريق -كما قال وزير الخارجية عادل الجبير- واضح أمام الدوحة، إذا أرادت العودة إلى حضنها الخليجي، وكسر طوق العزلة الذي وضعته حول نفسها، بالكف عن دعم المنظمات والجهات الإرهابية، وإيقاف التدخل السالب في شؤون دول الجوار، وطرد قادة الجماعات الإرهابية، والالتزام بما تم التوافق عليه من قبل، وتنفيذ التعهدات التي وقَّعت عليها، ولا ضير في ذلك، فالعودة إلى طريق الحق هداية، والأوبة إلى سبيل الهدى فضيلة، فالمكابرة لن تنفع، ومحاولات الخداع لن تنطلي على أحد، وإن كانت الرياض قد غضّت الطرف عن ممارسات شقيقتها الصغرى في السابق، أملا في أن ترعوي وتعود إلى طريق الرشد، فإن ذلك ليس متاحا في الوقت الحالي، بعد أن تأكد للجميع أن نظام الحمدين لم يستوعب مغزى الحكمة السعودية في مد حبال الصبر في المرة السابقة، وظنّ أن بإمكانه العودة إلى ممارساته السالبة مرة أخرى، ولم يدرك أن الظرف الحالي يختلف عما سبق، وأن القضاء على آفة الإرهاب التي باتت تشكل تهديدا للعالم أجمع، يتطلب مزيدا من الحسم والحزم، مهما كان الثمن، ومهما بلغ حجم التضحيات.