خلال الأيام القليلة الماضية تصاعدت وتيرة المواجهة بين أميركا وإيران، وذلك في أعقاب تصريحات الرئيس الإيراني التي فهمت في واشنطن على أنها تهديد، خصوصا أنها تأتي بعد أيام من تهديد إيراني بإغلاق مضيق هرمز الإستراتيجي في الخليج العربي، وهو الأمر الذي قد يؤدي لارتفاع صاروخي لأسعار النفط، وهو الأمر الذي تقوم الإدارة الأميركية مع حلفائها في المنطقة على ضمان عدم وقوعه.

تصريحات روحاني التي قال فيها إن على الرئيس ترمب «أن يتوقف عن اللعب بذيل الأسد، حيث إنه بذلك لن يطول إلا الندم» رد عليها الرئيس الأميركي بتغريدة موجهة للرئيس الإيراني قال فيها «لا تحاول أبدا تهديد الولايات المتحدة مرة أخرى، وإلا ستعاني من عقبات وخيمة، لم تعد الولايات المتحدة دولة تتهاون مع كلماتكم المختلة بشأن العنف والموت. كن حذرا!».

لا شك في أن التهور الإيراني لو حدث وقد حدث فعلا في الماضي أن أغلقوا مضيق هرمز من أجل الضغط على أسواق النفط العالمية والتأثير على الدول المحيطة بالخليج والتأثير على تصديرها لمنتجها الأهم، أقول لو حدث ونفذت إيران تهديدها هذا فإن الولايات المتحدة والدول المتحالفة معها بما فيها السعودية لن تجد صعوبة حقيقية في فكه وإعادة الملاحة إلى واقعها المعتاد، فلو كانت إيران تعتقد أنها استطاعت في الماضي أن تقوم بهذا الفعل في أجواء من التراخي الدولي والضعف في مواجهة تنمر القوى الإقليمية، فإن في هذه المرة الأمر مختلف، فليست إدارة أوباما وخوفها على اتفاق نووي هي من يدير البيت الأبيض، وليست السعودية تلك التي تتجاوز عن محاولة الحد من مكانتها في المنطقة ودورها الرئيسي في العالم، إلى جانب أن التحالف الأميركي السعودي اليوم متفق تماما على محاربة كل مراكز الإرهاب الدولي والدول الداعمة له والمصدرة لفكره التوسعي الإقصائي.

الضغط الدولي على إيران بهدف دفعها للتخلي عن دورها كداعم رئيسي للإرهاب في العالم ليس فقط شعارات تقول بها الدول الداعمة لمحاربة الإرهاب، بل إن هناك خطوات على الأرض تقوم بها من أجل «قصقصة جنحان» هذه الدجاجة التي صدقت نفسها صقرا، فمن جهة تعمل أميركا على الدفع نحو خفض دول العالم وارداتها من النفط الإيراني لمستوى يقارب الصفر، وذلك قبل حلول الرابع من نوفمبر القادم، وهو عمل إن لم تتجاوب معه الدول فإنها ستعرض نفسها لخطر العقوبات الأميركية والتي سيكون لها تأثير كبير على اقتصاديات تلك الدول واستقرارها الداخلي.

من جهة أخرى تستمر المملكة في حربها على الإرهاب في جميع البقاع التي وتّرتها إيران في المنطقة، فمن جهة تعمل مع حلفائها على تحطيم آخر معاقل الحوثيين في اليمن، ومن جهة أخرى تعمل على تفكيك خلايا السرطان الإيراني في كل من العراق ولبنان، إلى جانب دورها في إعادة رسم واقع جديد لسورية بعيدا عن ولائها الطائفي وتبعيتها لملالي طهران، كل ذلك في سياق المجهود الدولي الرامي للحد من تنمر وتمدد إيران في المنطقة وإيقافها من تحقيق مسعاها في خلق الفوضى وفرض التبعية لها.

السياسة العقيمة التي حكمت العلاقات الدولية مع إيران في السنوات الأخيرة صورها بشكل دقيق سفير المملكة في واشنطن الأمير خالد بن سلمان، عندما قال في مقالة له نشرتها صحيفة الشرق الأوسط مؤخرا «إن التاريخ يعيد نفسه أحيانا، ولذلك أتساءل عما سيقوله المؤرخون في المستقبل عن عام 2018 إذا لم نغير مجرى التاريخ اليوم، ونتجنب ويلات ما مر به جيل كامل في عام 1938، ومثل ما حدث في ميونيخ قبل ثمانية عقود من الزمان، عندما فشلت التنازلات والاسترضاء الغربي في إشباع رغبات ألمانيا النازية في التوسع، فإن العالم يواجه مجددا الخيارين اللذين يتمثلان في تقديم التنازلات واسترضاء نظام مجرم أو مواجهة الشر والتوسع بحزم وصلابة».

إيران اليوم كما في الماضي لا يمكن التعامل معها إلا بالمواجهة، وبالمواجهة الشرسة فقط، تلك التي لا تضع أمام أعينها إلا قبح الخصم وفظاعة أعماله وتمسكه الفج بإلغاء الآخر، والسيطرة على الجميع كسيد حاكم لزمانه وفق لغة الإرهاب والطائفية.