قبل أقل من قرن من الزمان، عاد رائدا الفضاء آرمسترونج وألدرين إلى الأرض، بعد أن غرسا العَلَم الأميركي في جزء آخر من العالم، لا يزال يوحي بأن تلك الأرض لأميركا. فهل يعني وضع العلم الأميركي على القمر «إنشاء مستعمرة أميركية؟».

عندما سمع الناس -للمرة الأولى- أنني محام أُمارس مهنة تسمى «قانون الفضاء»، كان السؤال الذي يطرحونه عليّ كثيرا، وغالبا ما يكون بابتسامة كبيرة أو وميض في العينين، هو: «أخبرنا، من يملك القمر؟»

من الواضح أن رواد الفضاء لديهم أشياء أكثر أهمية في أذهانهم، تُفكر في المعنى القانوني والنتائج المترتبة على ذلك العَلَم المغروس في القمر، ولكن لحسن الحظ تم الاهتمام بهذه القضية قبل إنجاز المهمة.

منذ بداية سباق الفضاء، عرفت الولايات المتحدة أن مشاهدة كثير من الناس حول العالم عَلَم الولايات المتحدة على القمر ستثير قضايا سياسية كبرى.

إن أي اقتراح بأن القمر قد يصبح، من الناحية القانونية، جزءا من المناطق النائية في الولايات المتحدة قد يُشعل مثل هذه المخاوف، وربما يُثير نزاعات دولية ضارة لكل من برنامج الفضاء الأميركي، ومصالح الولايات المتحدة ككل.

ولذلك، فإن الإجابة البسيطة عن السؤال حول ما إذا كان رائدا الفضاء أرمسترونج وألدرين عن طريق مراسمهما الصغيرة بوضع العَلَم في سطح القمر، يمثل تحويله، أو جزءا كبيرا منه على الأقل، إلى أرض أميركية، فالواقع لا وكالة ناسا ولا الحكومة الأميركية كانت تعتزم رفع العلم الأميركي على سطح القمر، لذلك الغرض.

والأهم من ذلك، أن الإجابة عن هذا السؤال منصوص عليها في معاهدة الفضاء الخارجي لعام 1967، والتي أصبحت كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، إضافة إلى جميع الدول الأخرى المرتادة للفضاء طرفا فيها.

اتفقت كلتا القوتين العظميين على أن «الاستعمار» على الأرض كان مسؤولا عن معاناة إنسانية هائلة، وكثير من النزاعات المسلحة التي دارت خلال القرون الماضية.

كانتا مصممتين على عدم تكرار ذلك الخطأ للقوى الاستعمارية الأوروبية القديمة، عندما يتعلق الأمر بالبت في الوضع القانوني للقمر، على الأقل إمكان تجنب «الاستيلاء على الأراضي» في الفضاء الخارجي، مما يؤدي إلى نشوب حرب عالمية أخرى.

ومن هذا المنطلق، أصبح القمر شيئا «مشاعا عالميا»، يمكن لجميع الدول الوصول إليه بشكل قانوني. لذلك، لم يكن العَلَم الأميركي مظهرا من مظاهر المطالبة بالسيادة، بل كان بمثابة تكريم لدافعي الضرائب والمهندسين الأميركيين.

وعلاوة على ذلك، ارتقت الولايات المتحدة ووكالة ناسا لالتزامهما عن طريق مشاركة صخور القمر، وعينات أخرى من التربة من سطح القمر مع بقية العالم، سواء عن طريق منحها لحكومات أجنبية أو السماح لجميع العلماء على مستوى العالم للوصول إليها للتحليل العلمي والمناقشة، وقد شمل هذا علماء من الاتحاد السوفييتي في خضم الحرب الباردة.


فرنس دون دير دونك*

                     *أستاذ قانون الفضاء بجامعة نبراسكا – لينكولن الأميركية - مجلة (نيوزويك) الأميركية