ما مدى تحكمنا في وجوهنا، وأصواتنا، وبصمات أصابعنا، وحتى الطريقة التي نمشي بها في هذا العصر التقني، الذي باتت فيه التقنية متغلغلة في كل الجوانب والمجالات الحياتية؟ انظر -على سبيل المثال- إلى حادثة «فيسبوك» مع «كامبريدج اناليتكا»، والتي اتضح فيها أن معلومات أكثر من 87 مليون شخص مسربة إلى شركات التسويق حول العالم دون علم منهم أو دراية.

وكلما تطورت التقنية مع الأيام، كلما ازدادت حاجة الحكومات والشركات إلى فهم هذه المعلومات، والتعرف على أفضل الطرق القانونية للتعامل معها.

بعد 4 سنوات من الدراسة، وافقت وزارة الداخلية البريطانية على تخصيص قسم لدراسة واستخدام المعلومات الحيوية لغايات إستراتيجية وأمنية، أحدها فهم أبعاد مواقع التواصل الجماعي وجماهيريتها.

وتكمن أهمية اطلاع الحكومة البريطانية على المعلومات الخاصة بالجماهير، مثل وجوههم وبصمات أصابعهم وأصواتهم، في حمايتهم من أي تدخلات خارجية، إذ اتضح أن هناك من يستخدم معلومات مستخدمي فيسبوك للإضرار بالمجتمع المحلي ومناقضته مصلحته العامة.

ويذكر في تقرير وزارة الداخلية الصادر الشهر الفائت «يونيو 2018»، أنه لم يعد هذا الوقت المناسب للقول، إنه ما من طريقة إلى التصدي للطريقة التي تتجسس فيها مواقع التواصل الاجتماعي على معلومات المواطنين الخاصة، بما في ذلك بصمات أيديهم وملامح وجوههم وطريقة مشيهم وأصواتهم.

ولكن يبقى الإشكال أن هذه التقنيات الاتصالية تتطور بشكل سريع جدا بفضل الذكاء الاصطناعي. وربما في هذه الحالة ينحصر دور الحكومة على الموازنة بين فائدة وضرر هذه المواقع على المستخدمين. وهذا يعني أنه حتى في ظل السماح لهذه التقنيات بالتقدم السريع، واستخدام الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة، لا بد أن يأتي شخص إلى الميدان ويرسم خطا واضحا بين ما هو مفيد ويمكن لهذه التقنيات استخدامه على الناس، وما هو مضرّ وينبغي على الحكومات أن تمنع التقنيات من استخدامه وتجريبه على المستخدمين.

ما الخصوصية الفردية؟ أي معلومات يحق لمواقع التواصل تسريبها إلى المعلنين، وأي معلومات لا يحق لهم تسريبها؟ وأيّا كان هذا الشخص الذي سيأتي يوما ما ويرسم خطوطا مصيرية تلتزم بها مواقع التواصل وغيرها من التقنيات، ينبغي ألا يكون تابعا لأولئك الذين يستفيدون من وفرة المعلومات، ويضيرهم أن تكون هناك قوانين تحمي الحكومات والمواطنين من أي تدخلات تقنية خارجية.

وتحديدا بالنظر إلى الأطفال، فإنه من المعياري ألا يبقى الأطفال مرتبطين بالتقنيات التي تتطلع على ملامحهم ومعلوماتهم وتفضيلاتهم بشكل مستمر.

وكجزء من مسؤوليتها الاجتماعية أصدرت جريدة «التيلجراف» البريطانية حملة إعلامية لحماية الأطفال من تسريب معلوماتهم. تدعو الحملة الشركات الرقمية إلى واجب قانوني لحماية الأطفال الذين يستخدمونها.

وقال الرئيس التنفيذي للجمعية الوطنية لمنع العنف الرقمي ضد الأطفال «NSPCC» السيد بيتر والنيس، إن حماية الأطفال خلال استخدامهم مواقع التواصل الاجتماعي ينبغي أن ينتقل من كونه أمرا اختياريا إلى أمر إجباري.

ولعلها إحدى نتائج هذه الحملة أن «فيس بوك» و«إنستجرام» حذفت كل حسابات الأطفال دون الـ13 عاما، وطالبت من هم في مثل هذا العمر إرسال هويتهم الرسمية كإثبات لحساباتهم، مما يعزز الأنظمة التشريعية الحديثة التي لطالما تكرر الحديث عنها في الساحات الأكاديمية والصحفية والقانونية في أميركا وأوروبا.

المؤسف -من وجهة نظري الشخصية- أن الحال لدينا في دول الخليج يحتاج إلى ما هو أكثر من أنظمة تشريعية، بل إلى إصلاحات ثقافية واجتماعية أكثر تجذرا، إذ إن هناك مشهورات لدينا لا تتجاوز أعمارهن الـ11 والـ12، ويُدِرْن بأنفسهن حساباتهن، ويواجهن ربما وحدهن أي تنمّر رقمي محتمل قد يترك فيهن الأثر السلبي الكبير.