كتب أحد المثقفين السعوديين خبرا وصله عن رسالة أرسلها رئيس تحرير إحدى الصحف إلى كُتّاب الرأي في صحيفته، أبلغهم فيها أن الصحيفة لن تدفع لهم، وأن عليهم أن يكتفوا بالمكاسب المعنوية التي يحققونها من كتابتهم المقال.

في الحقيقة، استوقفني قوله: المكاسب المعنوية وقصده بها، هل يعني الرسائل اللطيفة التي يرسلها القراء لنا بعد مقال يوافق أهواءهم ورغباتهم، والتي ترافقها عادة رسائل غاضبة وقادحة من قارئ من ضفة أخرى ربما؟.

على كل حال، ومن تجربتي، ليس سهلا أن تكون كاتب رأي مستقلا، ولا تنضم إلى إحدى الفئتين المتعاركتين في الإعلام السعودي، الليبراليين وشللهم المتعددة، والذين تجمعهم مناكفة المحافظين، وهم أيضا شلل تجمعها روابط خفية ومصالح مشتركة.

وليس سهلا أيضا أن تناكف وتشاكس فئة منهم كل مرة بمقال، فمرة أنت تدعو إلى تفهم مرضى اضطراب الهوية الجنسية والاحتفال بالكريسماس، وتجديد الفقه بالعودة إلى أصوله الحقيقية، في وقت لم تكن هناك رؤية ولا رجل بشجاعة محمد بن سلمان، فتجد كمية من رسائل التكفير والطعن في النسب واللعن والإخراج من رحمة الله، من شيوخ ومن أفراد ربما لم يفتح كتاب فقه مطلقا.

وفي مقال آخر، تنتقد مسلسلا أعده ليبرالي كان متطرفا سابقا، تناول فيه قضية داعش ففجر في الخصومة حتى ادعى على نساء الخليج بما لا يليق حتى بأنثى الحيوان، فيخرج هذا المثقف الليبرالي حديثا ويتهمك بالداعشية، مما يحيرك هل إرهابي التطرف هو إرهابي الليبرالية «خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام».

لكن، ربما قصد رئيس التحرير منافع مادية وخانه التعبير، لأنها ليست من الجريدة كأن يمدح مسؤولا فيساعده على الحصول على منصب، وهذا يحدث، فقد رأينا كُتّاب رأي لم نعرف له رأيا ولا علما ولا جهدا، وجد مكانا جيدا في مؤسسة ما، مدح سيدها وهذا يحدث في كل مكان، ولا يوجد رئيس تحرير يستطيع أن يراقب كل المقالات.

في الواقع، إن توقف الصحف السعودية المنتظر العام القادم كما يقول خبراء الإعلام، له حسنة وحيدة، وهي خسارة المستنفعين بأقلامهم حظوظهم، لكنه سيؤذن بخسارات عدة، أولها: هو هجرة الأقلام المثقفة والواعية إلى الصحف الخليجية. خبر مثل استكتاب زهرة الخليج للدكتور عبدالله الغذامي يبعث على الأسى، حتى لو كان الغذامي يراه جميلا ورائعا، ولهذا مقال آخر.