وسؤال العنوان بعاليه يسكن ويعيش في قلب المساحة المفتوحة والمشروعة، لأنه يحاكي استنطاق الإجابة للسؤال الآخر الصعب، كيف يستطيع شخص عاش العقد الأخير كاملا في ظروف صحية صعبة ويستحيل معها عليه أن يكمل كتابة فكرة واحدة من مئة ورقة، فكيف به يكتب أكثر من ثلاثة آلاف ورقة تزدحم بعشرات الأفكار والقضايا المختلفة؟ نحن هنا نتحدث عن جلطات دماغ من الدرجة الأولى نسأل الله له الشفاء، ولكم أن تسألوا أقرب طبيب، فحتى عن القدرة على إنجاز مجهود ذهني بهذه الكثافة، من يقرأ هذا الكتاب بكل حيادية وتجرد، ومستلهما أيضا نهج ذات المؤلف، سيدرك فورا أن سفر الحوالي ترك مربع السرورية المنشقة عن السلفية التقليدية متقمصا في كل فصول هذا الكتاب منهج الإخوان المسلمين، بكل ما عرف عن هذه الحركة من البراغماتية، التي تجعل الوصول إلى مصالحها أهم الثوابت، والتجمد المعروف في سرديات الفكرة السرورية، هو مثلا يرى بخطأ الحرب في اليمن، متفقا في هذا مع حسن نصرالله ومع حركة حماس، وهو هنا هارب من منهج السرورية التي اعتادت أسطوانة التخويف من المد الشيعي، وتكثر من استسهال مصطلح الرافضة، خذ أيضا دعوته الصريحة لنفي التنسيق السياسي السعودي الإماراتي، وهو هنا لا يردد سوى أدبيات فلول مكتب إرشاد جماعة الإخوان الهاربة من جبل المقطم إلى فنادق إسطنبول والدوحة. بالمناسبة فكتاب الحوالي طبع في إسطنبول لا في بيروت أو القاهرة، في ما لا يشبه صدفة عابرة بل هي إشارة مباشرة. ولأن المساحة هنا محدودة لمزيد من البراهين، فسأكتب أن البرهان الأهم يقول إن كتابة مثل هذا العمل الفكري الواسع تحتاج إلى مركز أبحاث بعشرات الكتاب، من أجل الوصول به إلى الصفحة الأخيرة. الكتاب موجود في ثمانية مجلدات، وهذه اللقطة لوحدها تقول باستحالة أن يكتب سفر الحوالي مثل هذا العمل في ظروفه، وأكاد أجزم في النهاية، أن سفر الحوالي قد وقع ضحية استغلال وتحديدا ضحية تردي قدراته الذهنية والإدراكية، وهنا يقع اللوم على كل من حوله حين قبلوا أن يكون في مثل هذا الكتاب الضخم مجرد اسم على الغلاف، وترميز تعبر من خلاله جماعة كبرى لتمرير مثل هذه الرسالة.