لا تُفاجأ حين تتلقى في أحد الأيام اتصالا أو رسالة تفصيلية عنك من شخص لا تعرفه، أو جهة لا تربطك بها صلة عمل أو انتماء، فكل بياناتك أصبحت عرضة للاتجار وجني المال، وأصبحت دائرة أمنك وخصوصيتك أضيق من سم الخياط!. باختصار، لقد أصبحنا جميعنا على طاولة الاختيار والعينات التي يمكن تقليبها ورمي غير المنتخب من فوقها، فبياناتنا أصبحت سلعة رائجة لدى عدد كبير جدا من الشركات، وأكبر المستفيدين من ذلك بالطبع هي الحكومات حول العالم.

الحق أن التكنولوجيا قدمت لنا كثيرا من المغريات، لنندفع بجنون إلى تجريبها والانخراط في التشارك مع بيئتها هي، دون أن نقدم لائحة اشتراطاتنا نحن كبشر. يُفترض أن نفكر في قيمتنا الأعلى، لكننا خضعنا ببرود تحت ضغط شغف الاستكشاف والتجربة، ورحنا نكشف بياناتنا وخصوصياتنا في نماذج موضوعة على قوائم مختلف التطبيقات التي وفرتها التقنية، منها مقاييسنا الحيوية كبصمات الأصابع والأصوات والعيون والوجوه والأحماض النووية، وحتى طريقة المشي التي دخلت مجال البصمة الشخصية للإنسان.

وكي نشعر بالأمان، رحنا نستخدم بعضا من تلك الشيفرات كحواجز أمان لأجهزتنا الذكية، من هواتف وأجهزة كمبيوتر وخلافها، وهو ما جعلنا ربما نهرول بجنون نحو تسجيل خصوصياتنا البيولوجية والحيوية على شبكة الإنترنت، بروح رحبة جدا، ودون قيد أو شرط.

كما أن الحكومات رحبت دوما بهذا الاندفاع الفضولي لمواطنيها، إذ ذكرت دراسة أجراها مركز الخصوصيات والتكنولوجيا في مركز القانون لجامعة جورج تاون عام 2016، في الولايات المتحدة الأميركية، أنه تم حفظ بيانات متعلقة بملامح شكل الوجه لأكثر من 117 مليون أميركي -نصفهم تقريبا بلغ سن الرشد- في قاعدة البيانات الأميركية المتعلقة بتطبيق القانون، والتي يمكن لمكتب التحقيقات الفيدرالي الاطلاع عليها.

وفي المملكة المتحدة، تم حفظ البيانات المتعلقة بملامح وجه 12.5 مليون شخص لم تثبت على الآلاف منهم أية تهمة، في قاعدة بيانات الشرطة الوطنية، بينما جمع ديوان الجمارك والمداخيل التابع للمملكة المتحدة أكثر من 5 ملايين تسجيل صوتي دون أن يشعر المعنيون بأمر ذلك الحفظ.

وتحول فهم مصطلح أمن الأشخاص -على خلفية البناء الجديد لقواعد البيانات في عدد من الدول- من مصطلح «بريء» إلى مصطلح «غير مدان»، وهذا يعطي دلالة واضحة على أننا أصبحنا -وعبر تدفق بياناتنا- عرضة للاشتباه في أية لحظة، وبمجرد أن تتشابه مع أحدهم في طرف بعيد جدا من هذا العالم، وعند هذه النقطة تحديدا تذكرت المثل العربي القائل «اليد البريئة ما تخاف قطعها»!

في النهاية، هل تعلم أنك عرضة للابتزاز والاحتيال من أطراف غير قانونية قد تجد نفسك بعدها خلف القضبان؟!

والأخطر من ذلك، هل تعلم أنك عرضة لاستقبال تهم جاهزة لم تكن تفكر حتى في طريقة تنفيذ جريمتها، لأنك منحت الآخر ما يحتاج إليه من بيانات يستطيع عبرها تلفيق الأدلة وتوجيه التهم إليك؟!

فهل نحن آمنون حقا مع التكنولوجيا؟