مرة أخرى تعيدنا مدينة نيوم إلى المستقبل، لتضيف كما هي عادة أخبارها بُعدا جديدا لمجتمعنا، لكنه بُعد بروتوكولي هذه المرة، مع احتضانها جلسة استثنائية هي الأولى لمجلس الوزراء الموقر، لتنضم إلى مكانتها الجديدة في المملكة، بين روضة خريم وقصور: اليمامة والصفا والسلام والعزيزية.

 مستقبلنا الذي اجتمعت من أجله حكومتنا الرشيدة في أرض نيوم، بلفتة ملكية من لدن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان -حفظه الله- بات انعقادا آخر لحقبة من المعايير الطموحة التي نعرّف بها العالم عن أنفسنا، ونعيد فيها اتجاه بوصلة الاستثمار نحونا، ونصيغ بها استدامة اقتصادنا، وأساليب توق حياتنا إلى المستقبل.

 هذه الحقبة التي فأجاء سمو ولي العهد -حفظه الله- العالم بإعلانها في جلسات أعمال مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار في العاصمة الرياض، الثلاثاء 24 أكتوبر 2017، ما زالت الاقتصادات الحديثة والتقارير الإعلامية الدولية تتناول تفاصيل وتصورات وفهم مشروع نيوم، خلال تصريح سموه الملهم بأنه موقع للحالمين.

 الحضور الدولي اللافت، الرسمي وغير الرسمي، خلال الإعلان عن الموقع الحالم في وجود الرؤساء ونخبة الخبراء وأساتذة الاقتصاد، الذين بدؤوا مستشرفين في نيوم لما وراء الأرض، وما فوق العنان، وما حول الرؤية، متجاوزين ترجمة أهداف 2030 بمحاورها الاقتصادية المزدهرة، والفرص الاستثمارية المثمرة والفاعلة، مع تنافسية الجذب، والتي وصفها رئيس الوزراء البريطاني السابق «توني بلير» أمام الحضور بأنها تعد من أهم الأحداث المثيرة التي شهدتها المنطقة خلال السنوات الماضية.

 إن مشروع نيوم بتفاصيله التنموية يعكس أدوات التخطيط الذي يضيف نموذجا تطبيقيا لإستراتيجياتنا المستقبلية، خلال مستقبل الطاقة والمياه، ومستقبل التصنيع المتطور، والإعلام والإنتاج الإعلامي، ومستقبل الترفيه، ومستقبل التنقل والتقنيات الحيوية، وكذلك مستقبل الغذاء والعلوم التقنية والرقمية، إضافة إلى المعيشة كداعم أشمل.

 يبدو واضحا أن حلم نيوم ينم عن ماهية مستقبل تلك القطاعات الآنفة، لكن تظل الكيفية رهينة الابتكار الوطني، والتطبيق رهان الإبداع السعودي، وهو الذي وصفه سمو ولي العهد -حفظه الله- في مناسبة الإعلان نفسها عن المشروع، بدهاء السعودي الذي جعله يعيش في الصحراء الصعبة بعزيمة جبارة يتمتع بها، تلك العزيمة بدأت تجتمع حولها كبرى الشركات الدولية المعنية بالقطاعات التي ستحتضنها نيوم.

فرغم بساطة الترفيه مثلا كمفهوم، إلا أن مستقبله لا محدود في التنافسية التي تفرض على صانعيها تنافسية تشعبية في الابتكار، وخلق النظم التطبيقية والترفيه العملي مقابل نظيره الافتراضي، وهو ما يفرض أن يجد هذا التوجه نحو المستقبل في الترفيه من الشركات العالمية القادمة ذات الباع الطويل، مثل والت ديزني وغيرها، بيئة ونظم أعمال رائدة الجهوزية في مشروع نيوم، من مدن ألعاب ومنتجعات وفنادق ومراكز تسوق لدفع الترفيه إلى آفاق عالمية تنافسية جديدة.

 إن احتضان مشروع نيوم، كمنطقة اقتصادية حرة تقع شمال غرب المملكة، وأراض في مصر والأردن الشقيقتين، يعني تحديا غير مسبوق في مستقبل قطاع آخر لمشروع نيوم وهو التنقل، هذا المستقبل بأهميته عرج إليه سمو ولي العهد -حفظه الله- أمام الحضور بتوصيف دقيق، ذاكرا أن الروبوتات ستكون أكثر من البشر.

مما يعني أن هناك تقنيات تَنقُّل آمنة، تتمتع بنظم ذاتية الإدارة، ترفع من درجة التكامل الخدمي في كل مرافق المشروع، تخفّض من حجم الخسائر المادية والبشرية، وهو ما يعني أن هناك تناسقا مثاليا في تقديم الخدمات على الأرض، إذ تضيف الاستعانة بتلك الآليات الحديثة في خلق بيئة تصنيع متطور، يحكمها الذكاء الاصطناعي، وتدعم توجه الدولة في تطوير مجالات الصناعة المختلفة إلى آخر ما توصلت إليه عالميا.

 شراكة الأسماء الرائدة عالميا في مستقبل نيوم، ومستقبل التكنولوجيا الحيوية تحديدا، يعني إسهامات جديدة تصدرها المملكة للعالم، فيعني استقطاب أو حضور الشركة العالمية مثل: «فايزر» الأميركية أو «روش» السويسرية، أو «سانوفي» الفرنسية، أو غيرها عالميا، فرصا مواتية لمستقبل نيوم كرائدة مستقبلية لهذا القطاع الحيوي وقطاعات أخرى، ولاعبا محترفا جديدا في الاقتصاد العالمي، وهو ما أشار إليه الرئيس التنفيذي للصندوق السيادي الروسي «كيريل دميترييف»، بأن مشروع نيوم يجمع أهم الشركاء والمستثمرين على مستوى العالم.

 وننظر في مستقبل اختصاصنا في قطاع المياه الذي تحتضنه نيوم، إضافة إلى الطاقة كمسار نعي أهميته القصوى خلال تعاملنا اليومي مع تحدياته، إذ يظل هذا القطاع المرتبط مباشرة بحياتنا هو القطاع الأجدر والأكثر حاجة، لربطه بكل العلوم التقنية والنظم والابتكار، وأكثره استفادة من تطور نظم تلك القطاعات، في ظل تحديات النقل والمعالجة والإدارة والخزن الإستراتيجي، كذلك إدارة الطلب والتشغيل والصيانة، وهذا يعني استفادة قطاع المياه القصوى من هذا التطور، كروافد وعوائد اقتصادية جديدة لدولتنا ننظر إليها بأهمية بالغة، كما نسارع الخطى نحو تنفيذ مبادرات برنامج التحول الوطني، لوضع بصمة وطنية في مشروع نيوم، نضاهي بها حصولنا العام الحالي على أفضل مشروع ذكي، وسط منافسة عالمية مع كبرى الشركات الدولية الرائدة في مجالات المياه.

 إن المساحة التي تتمدد فيها نيوم 26 ألف كلم2 تكشف تنوعا رائدا في الاستثمارات الفاعلة والجديدة، كما تستهدف استجلاب سلاسل من القيمة المُضافة للاقتصاد الوطني على امتداد 460 كلم على ساحل البحر الأحمر، تدعمها مناظر خلابة وجزر استثنائية، يوضح حجم المستقبل المعيشي الذي يضاهي طبيعتها الخلابة، مع فرص استقطاب تدفق رؤوس أموال وشراكات المستثمرين المحليين والعالميين الجريئين والمبتكرين، إضافة إلى ضخ صندوق الاستثمارات العامة 500 مليار دولار مع ملكيته الكاملة، وهوما يعني زيادة قيمة الصندوق حال إدراج مشروع نيوم للاكتتاب مستقبلا، مما يسهم في إعادة السيولة الضخمة للاقتصاد الوطني وإعادة تدويرها، كذلك إسهام القطاع الخاص في إجمالي الناتج المحلي، وزيادة الصادرات غير النفطية، كما سترفع نيوم من مستوى ودرجة الاستقطاب الوظيفي وطبيعة الأعمال، في ظل بيئتها الابتكارية والعلمية الحديثة، إضافة إلى خفض معدلات البطالة خلال توفير مئات الآلاف من الوظائف لأبناء الوطن.  مشروع نيوم الذي تقدمه المملكة اليوم للعالم، يقدم نموذجا جديدا من الأعمال الحرة، يتفوق على آلاف المناطق الحرة المنتشرة حول العالم، كما يصوغ معادلات حديثة للنظم الاقتصادية، ويوفر دلالات تعريفية جديدة في الإدارة وريادة الأعمال والنظم التطبيقية، مدعومة بأرضية خصبة من الإمدادات اللوجستية غير المسبوقة، والتي تزخر بها المملكة شمالا، مما يجعل اختيار موقعه منذ البداية صناعة فكرية في حد ذاتها، وواقعا ماثلا للحالمين من هذا الجيل، مع اختلاف الزمان والمكان اللذين أشار إليهما سمو ولي العهد -حفظه الله- بهاتفين.


 


محمد الموكلي


وكيل وزارة البيئة والمياه والزراعة

الرئيس التنفيذي لشركة المياه الوطنية