قبل أيام تابعنا جميعنا خروج الأسيرة الفلسطينية المحررة عهد التميمي من سجون الاحتلال الإسرائيلي، فكانت الوهلة الأولي تشير إلى أنها بصحة جيدة ولم تخسر من وزنها، بل كما يبدو فقد كسبت وزناً زائداً في إشارة إلى ظروف اعتقال جيدة نوعاً ما، رغم صعوبة الفكرة العامة أن تكون معتقلاً داخل سجن، ولكن المتابع للأحداث التي حصلت مع عهد في السجن وما ترويه لوسائل الإعلام عن قضائها وقتا طويلا تدرس وتحصل على دورات في القانون والغناء والرقص والتسلية، يستغرب أن تكون السجون في دولة معادية لنا بهذا الشكل، بينما في الجانب الآخر حيث سجون الممانعين والمقاومين، فالعذاب يلاحق الأبرياء المعتقلين دون رحمة، فصدق المثل الشعبي المتداول «الفايت مفقود والطالع مولود»، حيث إن ما يحصل داخل هذه السجون لا يمكن وصفه بأي عبارات ـ وربما هو لم يحصل على مر التاريخ، ويمكن منح هذه الأنظمة الخبيثة شهادات من جينيس في أساليب التعذيب والقهر وفنون القتل، فهذه الأنظمة السادية التي انتحلت صفات المقاومة مارست أبشع طرق التعذيب والقتل والاعتقال والسجن دون محاكمة، ودون أسباب موجبة، فقط لإذلال شعوبها ومنعهم من مجرد التفكير، لأن هذه الأنظمة تخشى العقول التي يمكن أن تكون سبباً في سقوطها وفضحها والتغلب على سياساتها.

 قبل سنوات تحدث أحد المعارضين السوريين وهو ميشال كيلو، عن قصة حصلت معه في أحد السجون السورية، فقال إن أحد السجانين، طلب منه أن يروي قصة لطفل صغير ولد داخل السجن مع والدته، فتحمس كيلو للفكرة، وذهب لزيارة الطفل ووالدته في زنزانتهم، وعندما بدأ يتلو له القصة بدأها بالحديث عن الشجرة فسأله الطفل بعفوية «ما هي الشجرة»، فكانت هذه أول صدمة لميشال كيلو الذي لم يعرف كيف يرسم له صورة الشجرة، ويحولها إلى حقيقة راسخة في عقل الطفل، فانتقل ليتحدث عن العصفور فقاطعه الولد مرة أخرى سائلاً: ما هو العصفور، فشعر ميشال كيلو بالإحباط والحزن الشديدين على هذه الكارثة الكبيرة بحق الإنسانية. وهذه قصة من آلاف القصص والروايات والأساطير التي تخرج من خلف القضبان داخل سجون بشار الأسد الممانع كما يدعي والمقاوم كما يعتقد واهماً.

 في سجون الأسد ليس مسموحاً لك أن تصلي أو أن تصوم، وإذا تجرأت على الصلاة، فستجد مكاناً لك في غرفة انفرادية، واقفاً على قدميك لأيام دون أي رحمة، أما في رمضان فيستخدم حراس السجن أساليب هي الأخبث على الإطلاق، فيوهم أحد حراس السجن الأسرى داخل السجن بأنه متعاطف معهم، ويبدأ بإخبارهم بمواعيد الصيام والإفطار، علماً بأنهم لا يرون ضوء الشمس لأيام وأسابيع، وربما لأشهر في بعض الحالات، وبعد الانتهاء من رمضان يطل عليهم هذا المجرم ليخبرهم أنه ولشهر كامل كان يعطيهم مواعيد الصيام والإفطار خاطئة، فيصاب المساجين بالإرباك والقهر بسبب هذا الكم من الحقد والخيانة والغدر الذي يحمله لهم أصغر عنصر يعمل لدى نظام الممانعة.   في سجون بشار الأسد لا يتخرج المعتقلون بشهادات ثانوية وجامعية، بل مع كل الأسف يتخرجون بشهادات وفاة، وعند الاطلاع على الجثة تجدها مترهلة نحيلة يظهر العظم فيها، أكثر من الجلد، فتعتقد للحظة أنك تشاهد جثة لشاب من إحدى الدول المصابة بالمجاعة، وكل هذا لا لشيء، سوى أن رأس النظام السوري الممانع يستمتع برؤية شعبه يُقتل داخل السجون والمعتقلات.

 لم نقصد اليوم بمقالنا أن نقول إن إسرائيل أرحم من أنظمة الممانعة والمقاومة، بل أردنا إظهار حجم العداء الذي يحمله الأسد ونظامه وحلفاؤه للأبرياء من الشعب السوري، فقط لأن بعضهم رفض سياسات الأسد والبعض الآخر طالب بحريته وبالحصول على فرص عمل أفضل ومستقبل أكثر إشراقاً، بعيداً عن تطاول أجهزة المخابرات التي لها فروع أكثر من فروع أشهر المطاعم الأميركية، وهذا إن دل على شيء، فهو يدل على حجم الخوف الذي يشعر به النظام من شعبه ومعرفته أنهم اتخذوا القرار بالمواجهة وإنهاء كذبة الممانعة والمقاومة.

 في النهاية؛ تحية للمعتقلين الأبرياء، والصبر لذويهم الذين لا يعرفون إن كان أبناؤهم أحياء أو أمواتاً داخل هذه السجون، تحية للفتيات اللواتي دخلن هذه المعتقلات ولا نعرف حجم الألم الذي يعانين منه بسبب عمليات الاغتصاب التي تحصل هناك، والتحية الأكبر للشهداء الذين سقطوا داخل هذه السجون رافضين التنازل لهذا النظام تحت أي ظرف من الظروف.