«قاعدة عدم التدخل هي مبدأ في القانون الدولي يحد من قدرة الدول الخارجية على التدخل في الشؤون الداخلية لدولة أخرى. وفي جوهره، فإن المبدأ هو نتيجة طبيعية لحق السيادة الإقليمية التي تمتلكها كل دولة على أراضيها» كارولين دوبي، أكاديمية القانون الدولي.

هذا تعريف مبسط بتصرف لمبدأ (عدم التدخل) بعيدا عن الجدل والمعاني المصاحبة والتعريفات المعقدة.

يشهد الله أني كنت أفكر منذ فترة بهذا الموضوع، وكيفية كتابة مقال عن معاملة بعض الدول بالمثل وإظهار هيبة المملكة التي تستحقها على المستوى الدولي، وجاء موضوع كندا في الصميم، والأجمل كان الرد السعودي الحازم، إنها السعودية الجديدة.

وهذا يؤسس لمبدأ وقاعدة سياسية جديدة في تعامل المملكة مع كل الدول وما كندا إلا مثال، ونتائج هذا المبدأ سيراها المواطن السعودي في المستقبل القريب، ويسهل عليه أمور كثيرة!

سأضرب مثالا دوليا وآخر تاريخيا، قبل أسابيع، الرئيس ترمب طلب من تركيا إطلاق سراح قس أميركي، وعندما ماطلت تركيا فرض عقوبات على وزيري الداخلية والعدل، طبعا هذا التصعيد من ترمب ليس فقط بسبب القس، لكن أراد أن يضرب مثالا للهيبة الأميركية، حتى تفهم بقية الدول الرسالة، وهذا يسهل على الحكومة الأميركية عملها حول العالم، منذ أن تولى ترمب الرئاسة على سبيل المثال قلت حوادث التحرش الإيرانية بالبحرية الأميركية لما يقرب من الصفر، بينما التحرش كان على أشده أيام الضعيف أوباما، الآن ستفكر أي دولة عدة مرات قبل أن تعتقل أميركيا مما يساعد السفارات الأميركية في الخارج في أداء مهمتها والتركيز على الأمور السياسية الأخرى، وتقل مشاكل الرعايا (وهذه هي الرسالة)، إن سلطات الحدود والجوازات في الدول تعرف جيدا من الدولة التي تحمي رعاياها ومصالحها ومن الدولة التي تتساهل، وقد سمعتها من قبل في أحد المنافذ الحدودية كان على شخص مشكلة بسيطة، وكان أحد موظفي الحدود يريد تعطيله فرد عليه المسؤول الأكبر أن الموضوع بسيط ولا نريد أن نقابل مندوب سفارتهم لأنه مزعج (ونشبه) ومشت أمور الشخص، لذلك هم يعرفون جيدا من يبتزون ومن يعطلون ومن يضيعون وقت رعاياه.

طبعا الموضوع الكندي مختلف كليا لأن البجاحة وصلت مداها بالتدخل في شؤون مواطن سعودي بينه وبين بلده وليس حتى مواطن كندي، واستخدام لغة متعالية، فالقانون الدولي وخصوصا الغربي منه يعتمد على مبادئ ويستفيليا الشهيرة التي حددت قواعد ما يعرف بالسيادة والقانون الدولي، ومبدأ عدم التدخل هو من أهم مبادئ العلاقات الدولية، ولا أعتقد أن وزيرة الخارجية الكندية تجهل هذه المبادئ خصوصا أنها صحفية وكاتبة وخريجة أكسفورد وهارفارد، ودرست العلاقات الدولية وتاريخ الدول. فكيف لها هي وسفارتها أن تعاكس واحدا من أهم مبادئ العلاقات الدولية بلغة بعيدة عن الدبلوماسية وفيها كثير من الاستعلائية.

الآن في السعودية الجديدة الأمور تغيرت كثيرا، فلن تسمح لأي كان بالتدخل بشؤونها الداخلية أو المساس بمواطنيها.

لا زلت أذكر مثالا تاريخيا قبل سنوات طويلة، كان مجموعة من الإخوة السعوديين يشتكون لأحد المسؤولين في سفارتنا من أحد الموظفين العنصريين الذين لا يحبون السعودية في ذلك البلد، وكان أسلوب الموظف الخارجي فجا وغير محترم، فرد عليهم مسؤول السفارة «حنا ما نحب المشاكل حاولوا تصالحونه واحضروا له بيتزا !»، طبعا من بعدها أصبحنا نسمي صاحبنا في السفارة بمسؤول البيتزا، مرت السنوات وكنا كلما سمعنا أو قرأنا هجوما متحاملا على المملكة أو حصل موقف عنصري لأحد الرعايا، نكلم الإخوة في سفارتنا ونناقشهم ونذكرهم بالتجني الواضح على البلد، وكان بعضهم يردد «ما نبغى المشاكل واسكتوا وبكرا ينسى الموضوع، وانتم وش دخلكم»، يا أخوي ديرتنا، وسمعتها وكنا متحمسين ومتقدين وطنية ولا نحب أي أحد أن يمس الوطن، وكان الرد «حنا أبخص». أما إذا كان الموضوع ضد أحد الرعايا وفيه ظلم واضح، فإنه للأسف في بعض الحالات كانت السفارات تأخذ الرواية الأخرى كما هي، رغم وجود أدلة على ظلم بعض الرعايا، من باب أنها لا تريد أن تظهر السفارة عاجزة أمام وزارة الخارجية وليس لديها علاقات لحل هذه المشاكل التي قد تكون بسيطة، وعندما يذهب المواطن للخارجية يفاجأ بنقل الرواية المجحفة ضده رغم معاناته. كنا نعلم جيدا أنه لو وقفت السفارة موقفا حازما في بعض الحالات لقلت القضايا بشكل كبير وقل العمل حتى على الدبلوماسيين، لكن للأسف البعض كان يريد أن ينهي فترته دون ردود ودون مشاكل ودون أي تطوير، وحتى دون تكوين علاقات قد تساعده كثيرا في عمله، فأساس الدبلوماسية هو مهارات الاتصال والعلاقات، وهو لا يعلم أنه إذا لم يكن هناك مشاكل إذن لا يوجد عمل، وأصبح التحويل لمحامي السفارات هو المخرج الأتوماتيكي لبعض السفارات، وللأسف بعض المحامين يمط ويطول القضايا من باب زيادة دخله أو (يحول الحبة إلى قبة)، وبعض الدبلوماسيين يريد تحويل العبء للمحامي وفي نفس الوقت يظهر كأنه يعمل شيئا للمواطن. ياما كنا نقول نحن دولة لها مكانة ولها ثقل دولي، الحمد لله لسنا نتلقى مساعدات من أحد فيجب أن نقف الند للند لأي دولة كانت. كان النقاش يحتدم وقد يزعل بعض الإخوان الدبلوماسيين وكنا متأكدين أن القيادة العليا في البلد لا تساوم ولا تتنازل عن هيبة وسمعة السعودية والسعوديين، وهذه عادة حكام البلاد.

في عهد أبو فهد -حفظه الله – ملك الحزم والعزم وفي وجود ساعده الأيمن أبو سلمان بدا واضحا للجميع أن السعودية تمارس ثقلها وهيبتها ولن ترضى ولن تسمح لأي كان بأن يملي عليها سياستها أو يتدخل بشؤونها، وهذا حق أصيل لها، وسيرى المواطن السعودي قريبا طريقة التعامل وكمية الاحترام التي يجدها عندما يذهب لأي مكان في العالم، انتهى عهد الابتزاز والتعطيل وانتهى زمن السكوت على من يهاجم المملكة دون رد، وانتهى عصر المتخوفين الذين يدعون أنهم لا يريدون المشاكل، أبو سلمان يبني للمستقبل ويعطي دروسا لكندا ولغيرها، لأن موضوع كندا بسيط بما لدى القيادة من مهام كبرى، شخص تجرأ وطرد خلال 24 ساعة وسيكون عبرة، وهناك أيضا بعض الدول الأوروبية التي ستفهم الرسالة جيدا، لم يعد هناك أي عذر لأي سفارة أو ملحقية سعودية في العالم الآن أن لا ترد على من يحاول المساس بالمملكة ومواطنيها، فالدعم والمبدأ وضعته أعلى سلطة سياسية في البلد وأتمنى ألا أسمع أبدا عبارة (اتركوهم بكرا ينسون وما نحب المشاكل) من يطرق الباب لازم يجد الجواب.

نحن في السعودية.. الله إللي عزنا وما لأحد منه.. أيا كان.