فاطمة الأحمري

 


الكائنات البشرية بطبعها تحب المشاركة ولكن هناك حدود لهذه المشاركة أو المقاسمة لو صح التعبير، مشاركة في الحدود الصحيحة والمنطقية، وهناك مشاركة غير صحية ومهلكة أو ضارة. وعندما يجانبنا الصواب ولا تصبح القسمة أو الاندماج عادلة وتتجاوز «الجرعة الطبيعية» فهنا يبدأ سلوك الإدمان.

الإدمان ظاهرة بدأت بالتزايد حديثا، ولها أثر عكسي على الشعوب والمجتمعات، قد تخاطب نفسك الآن قائلا: لم تحدثي عن جديد!

ونعلم أن مدمن المخدرات منبوذ اجتماعيا، وكل ما ينبغي علي كمواطن هو التواصل مع المديرية العامة لمكافحة المخدرات، الموضوع واضح منذ 58 سنة عندما استحدث قسم لمكافحة المخدرات بالمباحث العامة بالمملكة العربية السعودية!

نعم، أتفق معك ولكن دعني أخبرك أن الإدمان الضار له عدة أنواع. ومصطلح إدمان (Addiction) لا يقتصر فقط على إدمان الكحول وإدمان المخدرات، ولكن لاحظ العلماء أن هناك سلوكيات مشتركة بين الإدمان على مواد مخدرة والإدمان على سلوك أو بعض العادات، مثلا إدمان القمار والرياضة والأكل والألعاب الإلكترونية والتسوق والعمل وأيضا إدمان الحب!

هناك على سبيل المثال دراسة علمية تم نشرها لمجموعة من الأطباء في المملكة العربية السعودية، تم تطبيقها على 276 طالبا في مرحلة المراهقة، متوسط أعمارهم 15 سنة، من كلا الجنسين، ووجد أن 16 في المائة منهم لديه إدمان على الألعاب الإلكترونية، وكان هذا الإدمان ذو أثر سلبي على النوم والعادات الصحية اليومية كالحركة والنشاط، وأيضا زيادة في مستوى الضغوط النفسية لديهم.

 وطبعا لا يخفى عليكم ماذا تعني 16 % من المراهقين يعانون من إدمان الألعاب الإلكترونية! هي ليست نسبة يمكننا تجاهلها والتركيز فقط على إدمان مادة تدخل في الجسم وتؤثر على وظائف الجهاز العصبي وغيره من أجهزة الجسم. 16 % من المراهقين، مقارنة بنسبة المراهقين في المملكة العربية السعودية والمقدرة بـ 20 % من السكان، أي لو عممنا نتيجة الدراسة العلمية، يكون لدينا حوالي مليون مراهق يعاني من إدمان الألعاب الإلكترونية ولذلك العديد من الآثار، صحية، اقتصادية، اجتماعية، وحتى نتائج تهدد الأمن الوطني.

العلم الحديث يشير إلى وجود ارتباط وثيق بين التعرض للألعاب الإلكترونية العنيفة وزيادة السلوك العدواني والعدوان المبني على المعرفة (Cognitive aggression)، وهو تعمد إيذاء شخص ما للحصول على شيء ما مثل الاهتمام أو المكافأة المالية، ومن أمثلته أيضا عندما يعتدي الطفل المتنمر على طفل آخر ويستولي على لعبته، قد يكون هو نفسه الإرهابي الذي يقتل المدنيين لكسب قضية سياسية!

حتى هذه اللحظة من وقتك عزيزي القارئ لم نتطرق سوى لشريحة بسيطة من الأعمار، وسلطنا جزءا من الضوء على نوع واحد من أنواع عدة من حالات الإدمان السلوكي وأثرها على المجتمع، بشكل مختصر وعام.

من المهم معرفة وجود إدمان سلوكي ذي عواقب قانونية أو قضائية (القمار، ألعاب الإنترنت، إدمان الإنترنت، إدمان الجنس، إدمان الشراء، وأيضا هناك إدمان الحرائق!!) وإدمان ليس له عواقب قانونية (إدمان الرياضة، الأكل، نتف الشعر أو الجلد).

وبالتالي يجب أن يكون لدينا كأفراد روح المبادرة لحل مشاكلنا وإيجاد مشاريع لدراسة الآثار الاقتصادية والأمنية والصحية والاجتماعية المترتبة على سلوكيات قد تبدو غير هامة أو ليست أولوية. فلنتشجع ولنبادر، لديك علم، أو خبرة، أو فكرة تظن أنها رائدة، فلتعلن عنها، فكرة اليوم قد تكون مشروعا للوطن في الغد.

نحن أفراد في مجتمع طموح يسعى أن تكون بلاده نموذجا ناجحا ورائدا في العالم في كافة الأصعدة، كما أكد على ذلك خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود حفظه الله، في الرؤية السعودية 2030، خطة ما بعد النفط. لا ينبغي أن نفكر بشكل سطحي وغير ناضج وغير مسؤول، بل يجب أن ننظر بنظرة ثاقبة وموضوعية لرؤية 2030 الواعدة، وخصوصا برنامج جودة الحياة الذي ابتدأ في أغسطس 2017، ونستقي منه دورنا كأفراد، كلٌ في حدود عمله واستطاعته. ولنعلم أنه في ظل غياب الاهتمام والمشاركة قد يندثر الشعور بالانتماء المجتمعي!