وضعت الرسالة التي بعثتها المملكة إلى مجلس الأمن الدولي، المجتمع الدولي والأمم المتحدة، والمجلس نفسه أمام لحظة يتوجب فيها مراجعة الأداء والوقوف أمام الأخطاء، وأوجبت على المجلس أن يسعى إلى فرض هيبته على الجميع، ليكون قادرا على القيام بواجباته المنوطة به في حفظ الأمن والسلم الدوليين، حتى لا تصبح اجتماعاته والقرارات التي يصدرها والمواقف التي يتخذها مجرد حبر على ورق، أو فرصة لالتقاط الصور التذكارية ورسم الابتسامات الصفراء التي ما وضعت حلا لأي من مشكلات العالم المشتعلة، ولا أسهمت في نزع فتيل أزماته.

فالرسالة انتقدت التجاهل الذي يتعامل به المجلس مع قراراته التي اتخذها بخصوص الأزمة اليمنية، واكتفى في كثير من الحالات بإطلاق بيانات الإدانة والشجب والاستنكار، دون أن تتبع ذلك أي خطوات عملية، ترغم المتمردين الحوثيين على التجاوب الإيجابي مع الجهود الدولية الرامية إلى استتباب الأمن وإعادة الحكومة التي يقودها الرئيس الشرعي عبدربه منصور هادي، بل إن مندوبي الأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، بدءا من جمال بنعمر وانتهاء بـ......... جريفيث، ربما يكونون قد أسهموا بنصيب كبير في استمرار الأزمة، بسبب مواقفهم الضبابية وقراراتهم غير الصائبة، وتعاملهم المشبوه مع تلك العصابة الانقلابية على أنها سلطة أمر واقع، وإحجامهم عن إصدار أي بيان رسمي يحمّلهم مسؤولية تعثر مفاوضات السلام المتكررة.

كمثال على التردد الذي اتسم به تعامل المنظمة الدولية مع الحوثيين، أن القرار رقم 2216، الذي صدر بإجماع الدول الأعضاء في مجلس الأمن، بما فيها تلك الدائمة العضوية في المجلس، لم يجد طريقه للتنفيذ حتى الآن، رغم أنه صدر تحت البند السابع الذي يجيز استخدام القوة بصورة تلقائية، إذا ما واصلت الميليشيات تحديها للمجتمع الدولي، ورغم ذلك لم يبذل المجلس أي جهد لتنفيذه، رغم أنه يدعو صراحة إلى استعادة الشرعية، وانسحاب المتمردين إلى المناطق التي كانوا عليها قبل اجتياحهم العاصمة صنعاء، وتسليم السلاح الثقيل الذي استولوا عليه من مخازن الجيش إلى السلطة الرسمية، والتحول إلى حركة سياسية.

وهذه البنود كانت كفيلة بوضع حد للأزمة، لا سيما أن القرار ضمن للحوثيين الحق في المشاركة في الحكم، وهو ما وافقت عليه حكومة الرئيس هادي.

لكن المجلس سرعان ما تجاهل قراره التاريخي، وامتنع عن مطالبة الانقلابيين بتنفيذه، بل المثير للاستغراب هو أنه أصدر عددا من البيانات التي تتعارض حتى مع مضمونه، مما يؤكد وجود خلل كبير في منظومته وطريقة أدائه، ويثبت الاتهامات الموجهة إليه، بأنه صار أداة في أيدي بعض الدول التي تسعى إلى تحقيق مصالحها، وتنفيذ أجندتها الخاصة، دون النظر إلى مصلحة العالم في تحقيق السلم والاستقرار.

هذا الإخفاق يأتي حلقةً في سلسلة طويلة من الإخفاقات التي أصابت أداء المجلس، وأدت إلى تراجع دوره، فالأزمة في سورية ما زالت مشتعلة، وعشرات الأطفال يموتون يوميا، بسبب قصف النظام واستخدام الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين، ورغم ذلك صمّ المجلس أذنيه عن آهاتهم وصرخاتهم التي تتزايد يوما بعد يوم.

كذلك فإن مشكلة ليبيا ما تزال تراوح مكانها، بسبب ممارسات الجماعات الإرهابية التي تدعمها دول معلومة، ولم يتحرك المجلس لوضع حد لتلك الأزمة.

كما أن العدو الإسرائيلي ما زال يعيث في فلسطين خرابا، ويقتل المدنيين بدماء باردة، والمجلس ساكن لا يتحرك.

وحزب الله يعرقل تشكيل الحكومة اللبنانية، بما يتعارض مع قرارات الأمم المتحدة التي اكتفت بالوقوف موقف المتفرج.

لذلك، تحوّل المجلس في السنوات الماضية إلى بؤرة للاستقطاب، وفرض الهيمنة، والدفاع عن التحالفات البعيدة عن المصلحة العامة، فالأسد الذي تحدى العالم واستهزأ بالقيم الإنسانية، لم يجد من يردعه لأن حليفته روسيا استخدمت حق النقض «الفيتو» 8 مرات لضمان إفلاته من العقاب.

ولمزيد من الإيضاح، فإن هناك أسئلة تطرح نفسها بقوة، ماذا فعل المجلس تجاه تهديدات الميليشيات الحوثية لتهديد أمن الملاحة الدولية في مضيق باب المندب، واعتداءاتهم المتكررة على ناقلات النفط والسفن التجارية؟ والإجابة واضحة لا تحتاج إلى كثير جهد وعناء، وهي لا شيء سوى بيان لا يسمن ولا يغني من جوع، مع أن سلامة التجارة العالمية هي من أبرز مسؤوليات الأمم المتحدة.

أيضا، ماذا كانت ردة فعل المجتمع الدولي ونظام الملالي يتحدى العالم برمته ويتمسك بمواصلة برنامجه النووي المثير للجدل، وإثارة القلاقل في المنطقة؟ لا شيء، بل إن بعض الدول الدائمة العضوية في المجلس منشغلة بالبحث عن مكاسب اقتصادية ذاتية، وتصرّ على التمسك بمعارضة الجهود الأميركية الباحثة عن وضع حل نهائي لهذا الكابوس الذي يؤرق العالم أجمع.

لذلك، فعلت المملكة خيرا وهي تلقي حجرا في بركة ظلت ساكنة لوقت طويل، لعل وعسى يحدث التغيير المنشود، وتعود الأمم المتحدة والهيئات والمجالس التابعة لها إلى أداء دورها المطلوب، وتفرض على الانقلابيين والمغامرين الالتزام بتوجهاتها، وترغم الأنظمة المارقة التي تدعم الإرهاب من وراء ستار، وتتشدق بمحاربته، على الكف عن أنشطتها التي تزعزع أمن العالم، وتضع سلامته على المحك.

لكن، وحتى يأتي ذلك الوقت، فإن المملكة ستظل على التزاماتها التي تفرضها عليها مكانتها الكبيرة كدولة رائدة في المنطقة، وقائدة للدول الإسلامية والعربية، تمد يد العون للمتأثرين من الحروب، تداوي جراحهم وتزيل آلامهم، لكنها في الوقت نفسه لن تتردد في الدفاع عن نفسها ومصالحها والتصدي لمن يهددون أمنها وسلامتها.