يتمتع العمل الأكاديمي برونق خاص ومتعة مختلفة، ومنها الإسهام في تخريج أجيال جديدة من الأطباء، ودفع العجلة المعرفية والنظام التعليمي.

وفي زمن سابق، كان الطلاب يتهافتون على الحصول على المقاعد الأكاديمية، لحصولهم على مميزات مختلفة، منها الابتعاث ومرورا بإشباع الرغبات العلمية بالتدريس وتخريج الأجيال، وانتهاء بقيمة مجتمعية مميزة كأستاذ جامعي.

طبّيا، وصلت أعداد كليات الطب بالمملكة إلى حوالي 37 كلية طب بشري، و27 كلية طب أسنان، وكما نعلم أن المحاضرين الأكاديميين هم العماد الحقيقي لكليات الطب.

سابقا كان الهدف الكبير لطلاب كليات الطب أن يحظوا بالفرصة للعودة من الباب «الكبير» لكلية الطب كـ«معيدين»، وزاد ذلك النهم الصدى الاجتماعي والاقتصادي لتلك المهنة، حتى أصبح توريث «المقعد» الأكاديمي ظاهرة ملحوظة في بعض الجامعات السعودية التي استوردتها من بعض الدول العربية في أزمان سابقة، وصلت تلك الظاهرة إلى محاباة أقارب «الأساتذة» ودفع «أبناء» البشوات إلى مقاعد المعيدية، وليس الدفع هو الطريقة الوحيدة، بل قد يستلزم الأمر الإنزال «المظلي» في بعض الحالات للحصول على الفرصة الحالمة والمقعد الذهبي.

مؤخرا، تحول ذلك المقعد الذهبي في أزمان سابقة إلى «خشب» متهالك بعد التضييق على الأطباء الأكاديميين بالمزايا الجامعية التي أصبحت حبرا على ورق، منها:

-1 عدم تغطية نفقات الدورات والبرامج التطويرية.

-2 تخفيض التذاكر إلى درجة سياحية لحضور المؤتمرات وربطها بمزاجية رؤساء الأقسام وعمداء كلية الطب.

-3 ربط بدل التمييز بموافقة الوزير، والذي كان يصرف نظير نشرك ورقةً علمية محكمة في مجلة من المجلات المرموقة.

-4 التضييق بالموافاة في الاتصال العلمي، والذي كان يمكن لعضو هيئة التدريس أن يأخذ سنة تدريبية بعد 5 سنوات عمل في أحد المراكز المتخصصة العالمية، ويعمل فيها زمالة تدريبية.

-5 شح مخصصات البحث العلمي.

-6 إنشاء معاهد الدراسات الإستراتيجية في الجامعات، حتى يتم التعاقد مع أعضاء هيئة التدريس خلالها، ويتم خصم 15- 20% من قيمة العقد من عضو هيئة التدريس للمعهد.

الأكاديميون هم ثروة مجتمعية، ويجب معاملتهم على أساس سليم، ابتداء من اختيارهم «بطريقة عادلة»، بدلا من توريث المناصب على طريقة «البروفيسور زغلول» وعائلته الكريمة، ومرورا بإعطائهم حقوقهم العلمية والمالية، إذ كانت طريقة «تعويضهم» بالعقود السابقة عن طريق السماح لهم بحرية العمل خارج «الجامعة»، وكانت تلك الإستراتيجية خاطئة، وأدت إلى تسرب كبير، وتقصير من بعض الأكاديميين لانشغالهم بجمع الأموال لتعويض رواتبهم الضعيفة ومزاياهم الضائعة، فهي إستراتيجية تسمى التعويض على حساب «المريض» وطالب «الطب»، ويقع اللوم على ذلك النظام «غير المحايد» الذي لا يعطيك حقوقك، وبعد ذلك كأني أرى بعض الأكاديميين يتذكرون أحلامهم السابقة مترنمين وقائلين عن ذلك الحلم «كان صرحا من خيال فهوى».