قبل أكثر من 100 عام طرح سؤال: لماذا تخلّف العرب والمسلمون عن العالم؟

لم يكن أمام مفكرينا يومها أمثال الإمام محمد عبده وجمال الدين الأفغاني ورفاعة الطهطاوي، وغيرهم -خاصة بعد الهزائم المتلاحقة للجيوش العربية في الأقاليم على يد المستعمرين الغربيين والأوروبيين تحديدا- سوى طرح هذا التساؤل المهم، الذي ما زال يضغط على الثقافة العربية والإسلامية ليل نهار.

إذ لم تكن الأحوال جيدة بما يكفي لنتجنب هذا السؤال، فقد كانت الفوارق على مستوى النضج في تكوين المؤسسات السياسية والمدنية والاجتماعية والفكرية بيننا وبين الغرب شاسعا جدا، وهو ما دفع منظومة الفكر العربي لدى مفكرينا ودعاة الإصلاح إلى استحضار هذا السؤال، ليكون حتميا وواقعا يصطدم به كل من ذهب للنظر خارج دائرة الثقافة العربية والإسلامية.

من وجهة نظري، أن أهم عقبات وعُقد السؤال تكمن في انطلاقه من أرضية النظرة الدينية للأشياء، مما تسبب في وقوع أي محاولة لتحرك ما إلى المستقبل في قبضة العقل الجمعي الذي يضع مصطلح «الأمة» في المقدمة.

وهي نقطة تعني أنك ستكون دائما وأبدا أسيرا لقرار جمعي ليس لك، وهذا القرار الجمعي لم يتحقق يوما على مستوى العالم، لا في الدين ولا في السياسة ولا في الثقافة ولا في الطبيعة، لأن التنوع هو قانون الوجود ودافعه الأكبر للإبداع والتقدم، وكونك فردا في المجموعة يتحتم عليك الانصياع دائما لقرار الغالبية -هذا جيد- لكن ماذا لو كانت الغالبية مشوشة وغير قادرة على الخروج عن النمطية والعادية؟!

هذه هي العقدة التي يحاول الآن عدد من الدول العربية والإسلامية التخلص منها، بعد اكتشافها خطأ الارتهان إلى سلاسل فكرة العقل الجمعي التاريخية.

اليوم، يعيد العرب والمسلمون بعد أكثر من 100 عام السؤال ذاته على نحو ما كان عليه، لكن المصيبة أنهم يعتقدون أن الفوارق في التقدم باتت صغيرة وضيقة جدا، لمجرد أنهم أصبحوا بحصولهم على الأشياء المادية يرون أنهم قلصوا الفوارق الصناعية والاقتصادية والفكرية والسياسية، بينما الواقع يقول إن ما حدث لم يكن سوى صورة أكثر قسوة للتخلف، فالعرب والمسلمون حاليا ليسوا أمما منتجة للصناعات الثقيلة والذكية التي تكتسح العالم، وكل دولهم -بلا استثناء- مصنفة ضمن العالم الثالث، كما أن العدد الأكبر من دولهم يعاني من الحروب والفقر والتخلف والقيادات السياسية الفاشلة، والمشاريع الاقتصادية المتهالكة.

هذه المدرسة التقليدية التي تجتر نفسها منذ قرون في التاريخ الإسلامي، ما زالت تضغط على العقل العربي الأسير، وتجعله خارج معادلة التطور والبناء والقدرة على المشاركة، خاصة أنهم قرروا أن قدرة العقل أقل في استيعاب الأنماط الفكرية النقلية التي توارثوها في مطلع الربع الثاني من القرن الثالث الهجري وتحديدا منذ «عهد الخليفة العباسي المتوكل 232 هجرية»!

لنتخلص من عقدة السؤال التاريخية، أظن أن علينا طرحه بطريقة أخرى ليكون على هيئة: لماذا فشلت مشاريع التحديث العربية والإسلامية؟

ربما عبر هذه الصيغة يمكننا أن نواجه عددا مهما من الخيبات التي استولت علينا، ونسارع في البحث عن حلول عاجلة، تمكننا من الخروج من سيطرة العقلية التابعة، التي طالما تحكمت في مصير شعوب تم دمجها وإذابة ثقافتها داخل مفهوم الأمة الهلامي، الذي ترفعه دائما قوى الرجعية والأطراف الماضوية التقليدية، إلى فضاءات أفكار التحديث من الداخل، وهو الهدف الذي يفترض بنا الركض خلفه بلا هوادة.