عندما نقول كمختصين إن مواقع التواصل الاجتماعي ما زالت متأخرة في إصدار تشريعات مواكبة لمحتوياتها فنحن لا نبالغ أو ندعي المثالية، وعندما نقول إن مواقع التواصل ما زالت تحتاج لفهم الرقابة قبل فرضها على المحتوى غير المرغوب به، بما في ذلك محتويات الإرهاب، فنحن نضع أصبعنا على موطن الألم الحقيقي.

 أصدرت لجنة الشؤون الداخلية (HASC) في المملكة المتحدة تقريرًا منتصف هذا العام بعد تحقيقاتها حول معدلات جرائم الكراهية في مواقع التواصل الاجتماعي. وتضمن التقرير فرض نظام إلكتروني أتوماتيكي يراقب محتويات العنف والكراهية عبر الإنترنت، كما وأشار التقرير لفكرة فرض غرامات «ضخمة» من قبل الحكومات على شركات الإعلام الرقمية التي تفشل في إزالة المحتوى غير القانوني، وتحديدا المحتوى الذي يدعو ويشجع على الإرهاب في إطار زمني واضح ومحدد. يرصد النظام المقترح في التقرير أي كلمات أو عبارات أو صور يشتبه بها أنها كراهية أو إرهابية ويزيلها أوتوماتيكيا. يقول «جيم كيلوك»، المدير التنفيذي لمجموعة «open rights» والمتخصصة في مجال حقوق مستخدمي الإنترنت ومقرها لندن، إن التوصيات بالرقابة على محتويات الإرهاب وإن كانت ستهدد حرية التعبير إلا أنها مهمة، لا سيما بعد الوصول لحقائق تشير إلى أن عددا من مواقع التواصل والإعلام الاجتماعي تتصرف بشكل غير مسؤول، وتتهاون وتفشل في إزالة المواد المتطرفة من منصاتها. وترى أن مهمة إزالة أشرطة الفيديو والمطبوعات المتطرفة غير القانونية تقع على عاتق المواقع والشركات الإعلامية، وليست المحاكم بالدرجة الأولى.

يذكر أن إشكالية المحتوى الداعي للكراهية أو الإرهاب مشكلة معقدة، حيث يتعين على مواقع التواصل الاجتماعي تحمل مسؤولية المحتوى على منصاتها، مع الأخذ في عين الاعتبار العديد من المنظورات كالمصلحة العامة وقوانين البلد المستخدم فيه هذا الموقع أو ذاك المنتدى. وحتى وإن كان -على سبيل المثال - النهج الذي تتبناه لجنة الشؤون الداخلية (HASC) في المملكة المتحدة غير متوازن من حيث إنه يقترح نظام رقابة آلية، تزيل كل ما اشتبه به مما قد يؤثر على المحتوى القانوني، كالمواد التي تعارض الكراهية والتطرف إلى أنه نموذج جميل، لأنه وضع حدودا صارمة تقف دون نشر محتويات تعزز العنف والإرهاب رقميا. يتضمن التقرير توصيات عديدة في هذا السياق من بينها:

- يجب على الحكومة البريطانية أن تضع قوانين قوية ونظام غرامات قاسيا للمواقع التي تفشل في إزالة المحتوى غير القانوني.

- لا يمكن فرض غرامات عندما يفشل موقع التواصل الاجتماعي في إزالة المحتوى الداعي للكراهية أو للإرهاب، إلا إذا كانت التقارير المقدمة إلى اللجنة قد تم إجراؤها من خلال بحث وتدقيق، وكان من المؤكد أن المادة المنشورة خرقت القانون.

- على مواقع التواصل الاجتماعي التي تفشل في البحث عن المواد غير القانونية وإزالتها بشكل استباقي أن تدفع تكاليف للحكومة البريطانية ممثلة باللجنة.

يذكر أن هناك عددا من المختصين انتقدوا هذا النموذج البريطاني من حيث إنه يفتقد ذكر أسباب ودوافع نشر محتويات الكراهية والإرهاب عبر الإنترنت، التي قد تحمل عادة في طياتها أبعادا اجتماعية وتاريخية أخرى أوسع وذات جدلية وتعقيد أكبر. ولعل المتطرفين سيستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي بنفس طريقتهم عند استخدام وسائل اتصال أقدم وأكثر تقليدية كالنقل والبريد والهواتف. تم انتقاد هذا التقرير أيضا - والذي رغم اطلاعي على ما كتب ناقديه ما زلت أراه جيدا- بسبب افتقاره لذكر كميات محتويات الكراهية والعنف كمعدل أو نسبة مئوية، الذي تم نشره مسبقا على مواقع التواصل الاجتماعي، والذي تمت إعادة نشره، وما مقدار الاهتمام الذي تحصل عليه بالفعل؟. ولكن يظل هذا النموذج البريطاني التشريعي-الإعلامي والحديث جدا نموذجا جيدا يمكن الاطلاع عليه والاستفادة منه في المستقبل عند التعامل مع محتويات الكراهية والعنف، مع النظر لإيجابياته وسلبياته من وجهة نظر المختصين، وعدم تجاهل احتمالية تحديث الوسائل الإعلامية المستخدمة أو تغيرها كليا واستبدالها بوسائل أخرى قد تختلف في المواصفات ولكنها تتشارك ذات الهدف الاتصالي الأوحد.