نحن نتواصل لنتبادل الأفكار، المشاعر والآراء، وبالتالي نصل إلى تفاهم متبادل. وهي عملية ليست يسيرة بل معقدة. ليست كما وصفها الشاعر الأندلسي الملقب بمتنبي الغرب، ابن هانئ الأندلسي، المتوفى قبل عشرة قرون ونيف.

 «ذو هيبة تُتّقَى من غيرِ بائقة ** وحِكمةٍ تُجْتَنى من غيرِ تعقيد»

فحكمتك لا يمكن أن تصل إلى مجالسك إذا لم تتقن فن التواصل!

ومن ثم، عندما تفتح فمك وتخرج بضع أصوات تتشابك وتندمج لتصبح كلمات ذات معنى في قاموس اللغة، ثم ترسل كلمات إضافية لتصبح جملة اسمية أو فعلية، مفيدة أو غير مفيدة، كما هو مذكور قي النحو العربي، لا يعني ذلك أنك أوصلت رسالتك أو ربحت صفقتك! التواصل الفعال ليس أمرا بدهيا ومسلّما به، لا يا عزيزي، لا!

وكما قال رئيس مؤسّسة الفكر العربي، الأمير خالد الفيصل، «اللغة تشكل أساس الهوية». لذا، عليك ألا تتساهل بنواقل هذه اللغة، وأدوات التواصل الفعال، فهويتك قد تكون في خطر!، وأيضا ذاكرتك الثقافية والحضارية قد تكون مشرفة على الهلاك!.

فعليك أن تدرك أن الكلمة هي أقوى قوة بشرية تمتلكها، تشفي وتجرح، تشجع وتدمر، تذل وتعز، وبالتالي تستحق أن تتعلم كيف تنقلها لمن حولك.

لا يعني أن لسانك عربي، وولدتَ في دولة عربية، ولأبوين يتحدثا العربية، أنني فهمتك!

هناك أربعة مبادئ أساسية للتواصل، الأول: الرسالة التي أرسلتها قد تكون مختلفة عن التي وصلت، الثاني: لا يمكنك عدم التواصل «أنت تتواصل بشكل مستمر»، الثالث: كل رسالة فيها محتوى وعاطفة أو إحساس، والرابع: إشاراتك غير المنطوقة أكثر صدقا من اللفظية.

لماذا كلماتك المرسلة قد يستلمها الطرف الآخر بشكل مختلف؟!

لأنها تمر خلال جهاز ترشيح وتصفية مكون من 4 طبقات: أفكارك، ومشاعر الطرف المرسل، وأفكار ومشاعر الطرف المتلقي! مما يعني أن تتعمق في كيميائك وكيمياء الآخرين حولك، وحاول أن تزيل الرواسب أو تتنبه إلى وجودها.

للأسف، لم أربط بين كيمياء المواد وكيمياء البشر، عندما كنت طالبة «نجيبة» أتعلم الكيمياء على مقاعد الدراسة، فلو كانت لدي هذه الرؤية الحالية، لتعمقت أكثر في علم الكيمياء لأسهل عليكم قرائي الأعزاء عملية التواصل، ولربما اكتشفت جهاز ترشيح سريع ينقي ذاكرة المتحدث والمتلقي، لن أسترسل أكثر لأخبركم بنتائج وصولي المتأخر إلى هذه الرؤية، فقد فاتتني جائزة نوبل للكيمياء «لتأخري المعرفي»، ولم أحظ بمئة دولار ولا بشهادة ولا ميدالية ذهبية من ألفريد نوبل، المهندس والمخترع الكيميائي السويدي الذي أوصى بمعظم ثروته التي جناها من الاختراع إلى جائزة نوبل التي سُميت باسمه.

لماذا لا يمكنك عدم التواصل؟! لأن جميع ما يصدر عنك -بقصد أو غير قصد- يوصل رسالة معينة لمن حولك، فعندما تتجاهل شخصا أمامك، وتنظر خلفه أو إلى الجدار الذي بجانبه، قد يعني أنك تقول أنت تافه!، وهنا لديك رسالة قوية، تخيل ردة فعل ذلك المتلقي الذي قد يكون لديه مرشح كيميائي لا يعمل، فلا تستغرب أبدا ردة فعل غاضبة، مستفزة أو مؤذية، وأحيانا قاتلة! طبعا ذلك يعتمد على السمات السلوكية لغضب ذلك المتلقي، قد يكون غضبه سلبيا «passive anger»، أو عدوانيا «aggressive anger».

جميع رسائلك لها محتوى وعواطف. المحتوى هو الكلمات والجمل التي نطق بها لسانك، والعواطف ناتجة عن النواقل التي استخدمتها: لغة الجسد، وتعبيرات الوجه، ونبرة وحجم الصوت. والتحدي يتضاعف عندما تستخدم التواصل الإلكتروني الذي يحوي محتوى دون مشاعر!

المبدأ الرابع، إشاراتك غير المنطوقة أكثر صدقا من اللفظية، فعندما تقول لأحدهم مبروك! وصوتك ووجهك يقولان أتمنى لك الفشل، فلا تتوقع أن يقول المتلقي «بارك الله فيك ولك»، بل قد يكون ذلك آخر حوار بينكما، ويلغي اسمك من قائمة أصدقائه في هاتفه النقال! لأنه أدرك أنك لست صديقه!.

من فضلك، لا يكن سلاحك إرباك الآخرين برسائل مشوشة، لأنك لم تستطع كسبهم في صفك، لا تستمع إلى هاري ترومان، الرئيس الثالث والثلاثين للولايات المتحدة الأميركية، القائل «إذا لم تستطع إقناعهم فحيّرهم»، لأنه يدرك -كقائد- قوة الخداع الذي قد تنتجه الحروف!.