بعد ربع قرن من مغادرته مقاعد الدراسة الجامعية، عاد إلى أبها الأخ الصديق، أحمد السيد عطيف، ليقضي فيها مجرد بضع ساعات، وهنا فتشوا عن السبب: ليحضر على سيد المسارح السعودية بالمفتاحة عرضاً موسيقياً من أداء فرقة دار الأوبرا المصرية. يقول عن ليلته... «حضرت إلى أبها تحديداً فلو أن الفرقة المصرية الشهيرة أمام باب منزلي في جازان لما هممت أبداً بالحضور. لماذا أبها إذاً؟ لأنها المدينة التي طردته ذات زمن بعيد من الإسكان الجامعي حين اكتشفت كتائب إدارة فرع جامعة الإمام، وفي حملة مداهمة وتفتيش، أن أحمد السيد عطيف يخبئ تحت سريره وفي غرفته شريط «كاسيت» لإحدى أغاني الراحلة أم كلثوم. المدينة التي كانت تضيق بشريط أغنية وتطرد صاحبه من إسكانها الجامعي قبل ربع قرن هي نفسها التي فتحت في الشهر الماضي أكبر مسارحها أمام أشهر فرقة مصرية. في ذات العمارة الشهيرة بقلب أبها كان فرعا جامعتي الإمام والملك سعود يتقاسمان الإسكان مثل شطري تفاحة واحدة. ويومها كان ممنوعاً على طلاب نصف المبنى إدخال جهاز التلفزيون إلى غرفهم حتى وهو بقناة رسمية واحدة بالكاد يستطاع لقط إشارة الإرسال. كان الطلاب بنصف العمارة المشلول يتقاطرون خلسة إلى زملائهم بالنصف الآخر بعيد العشاء من أجل متابعة المسلسل اليومي، وكانوا في الغالب يخشون من البلاغات السرية إذ في كثير من الحالات تم إبعاد بعض نجباء الخريجين من فرص الإعادة أو الترشيح لسلك القضاء. لا أعلم ولن أفتي بشيء، ولكن قد يكون شريط الأغنية المخبوء تحت سرير أحمد السيد سبباً في وأد وهدم مستقبل أديب هادر ولغوي يشار إليه بالبنان. ما الذي تغير إذاً؟ الذي تغير بالضبط أن «المكارثية» لم تلد إلا النقيض، ولكم أن تعلموا أن جامعة مثل جامعة الإمام تضم اليوم واحداً من أقوى وأفضل أقسام الإعلام والاتصال على كل المستوى الوطني والإقليمي وفيه أروع أساتذة هذا التخصص. الجامعة التي كانت تمنع التلفزيون الرسمي من الدخول إلى غرف الإسكان هي اليوم المرجع الأكاديمي الأول لصناعة التلفزيون وجماليات الشاشة. أساتذة فرع ذات الجامعة القدامى هم اليوم أبرز ضيوف القنوات الفضائية وأكثرهم أجرا ونجومية. الدرس الأبرز ليس إلا أن الزمن وحده كفيل بعملية التغيير فلا تناضل أبداً مع أو ضد أي قضية فكل حلولها مسألة زمن ووقت.